المقال الشنيع، المتناهي في الشناعة، قالت الأمم السالفة لأخوانك الأنبياء، فلم نرسل قبلك في قرية رسولًا، إلا قال رؤساؤها وكبراؤها لرسولهم المرسل، للإنذار من عذاب الله، إنا وجدنا آباءنا على ملة ودين، وإنا على منهاجهم سائرون، نفعل مثل ما فعلوا، ونعبد ما كانوا يعبدون، فقومك أيها الرسول، ليسوا ببدع في الأمم، فهم قد سلكوا نهج من قبلهم، من أهل الشرك، في جواباتهم، بما أجابوك به، واحتجاجهم بما احتجوا به، لمقامهم على دينهم الباطل.
ونحو الآية قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٥٣)﴾ وإنما قال أولًا: ﴿مُهْتَدُونَ﴾. وثانيًا: ﴿مُقْتَدِرُونَ﴾؛ لأن الأول وقع في محاجتهم النبي - ﷺ -، وادعائهم أن آباءهم كانوا مهتدين، وأنهم مهتدون كآبائهم، فناسبه ذكر ﴿مُهْتَدُونَ﴾ والثاني، وقع حكاية عن قوم، ادعوا الاقتداء بالآباء دون الاهتداء، فناسبه ذكر ﴿مُقْتَدِرُونَ﴾، وفي هذا تسلية لرسول الله - ﷺ -، ودلالة على أن التقليد في نحو ذلك، ضلال قديم.
٢٤ - ثم ذكر تعالى جواب الرسل لأقوامهم عن التقليد، فقال: ﴿قَالَ﴾ كل نذير من أولئك المنذرين لأممهم، عند تعللهم بتقليد آبائهم ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ﴾ الهمزة: للاستفهام التوبيخي المضمن للإنكار، داخلة على محذوف. والواو: عاطفة على ذلك المحذوف؛ أي: أتقتدون بآبائكم ولو جئتكم ﴿بِأَهْدَى﴾؛ أي: بدين أهدى وأرشد ﴿مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ﴾؛ أي: من الضلالة التي ليست من الهداية في شيء وإنما عبر عنها بذلك، مجاراة معهم على مسلك الإنصاف؛ أي: قال لهم رسولهم: أتتبعون آباءكم، وتسيرون على طريقتهم، ولو جئتكم من عند ربكم بدين أهدى إلى طريق الحق، وأدل على سبيل الرشاد، مما وجدتم عليه آباءكم من الدين والملة.
وتلخيص ذلك: أتتبعون آباءكم وتقلدونهم، ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم، وقرأ ابن عامر وحفص: ﴿قال أولو جئتكم﴾ بصيغة الماضي، وقرأ الجمهور ﴿قل﴾ بصيغة الأمر؛ أي: قل يا محمد لقومك: أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من الدين، الذي وجدتم عليه آباءكم. وهذا تجهيل لهم، حيث