يقلدون ولا ينظرون في الدلائل، وقرأ الجمهور (١): ﴿جِئْتُكُمْ﴾: بتاء المتكلم، وقرأ أبو جعفر وشيبة وابن مقسم والزعفراني وأبو شيخ الهتائي وخالد ﴿جئناكم﴾: بنون المتكلمين، وقيل: إن كلا القراءتين حكاية لما جرى بين الأنبياء وقومهم، كأنه قال لكل نبي قل بدليل قوله: ﴿قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾؛ أي: قال كل أمة لنذيرها، مجيبين إجابة تيئيس من اتباعهم له على كل حال، ﴿إنا بما أرسلتم به كافرون﴾، وإن كان أهدى مما كنا فيه؛ أي: ثابتون على دين آبائنا، لا ننفك عنه، ولو جئتنا بما هو أهدى منه، فكأنهم يقولون: إنهم لو علموا صحة ما جئتهم به، ما انقادوا لك لسوء قصدهم، ومكابرتهم للحق وأهله، وحينئذ لم يبق لهم عذر،
٢٥ - ومن ثم قال: ﴿فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ﴾؛ أي: من هؤلاء المكذبين لرسلهم الجاحدين بربهم بالاستئصال، وذلك الانتقام مثل ما أوقعه بقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم، من الأمم المكذبة لرسلها، أو بالقحط والقتل والسبي، كما في هذه الأمة ﴿فَانْظُرْ﴾ أيها الرسول ﴿كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ من الأمم المذكورة؛ أي: كيف كان عاقبة أمرهم ومآله، حين كذبوا بآياتنا، ألم نهلكهم ونجعلهم عبرة لغيرهم، فأنت لا تكترث بتكذيب قومك، فإن الله ينتقم منهم باسم المنتقم، القاهر القابض، كما انتقم من أولئك الأمم المكذبة لرسلها.
وفي هذا تسلية لرسوله - ﷺ -، وإرشاد له إلى عدم الاكتراث بتكذيب قومه له، ووعيد وتهديد لهم.
وحاصل معنى الآية (٢): أي قالوا: لا نعمل برسالتك، ولا سمع لك، ولا طاعة، وإنا كافرون جاحدون بما أرسلتم به، ومستمرون ثابتون على دين الآباء والأسلاف، والمراد: أنهم لو علموا وتيقنوا صحة ما جئتهم به أيها الرسول، لما انقادوا لذلك، لسوء قصدهم ومكابرتهم للحق وأهله، وقوله: ﴿بِمَا أُرْسِلْتُمْ﴾ يعني: بكل ما أرسل به الرسل، فالخطاب للنبي - ﷺ -، ولفظه لفظ الجمع؛ لأن

(١) البحر المحيط.
(٢) التفسير المنير.


الصفحة التالية
Icon