غاية للتمتع، بل لما تسبب عنه من الاغترار المذكور وما يليه.
والمعنى (١): أي بل متعت هؤلاء المشركين، من أهل مكة وآباءهم من ذرية إبراهيم بطول العمر، والسعة في الرزق، وأنعمت عليهم في كفرهم فاغتروا بالمهلة، وأكبوا على الشهوات وطاعة الشيطان، وشغلوا بالتنعم عن كلمة التوحيد، إلى أن جاءهم الحق وهو القرآن العظيم، والرسول المبين، الذي أوضح مبدأ التوحيد بالبراهين الساطعة، وشرع الله وأحكامه بالأدلة القاطعة، وهو محمد - ﷺ -.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿بَلْ مَتَّعْتُ﴾ بتاء المتكلم، وقرأ قتادة والأعمش: ﴿بل متعت﴾ بتاء الخطاب، ورواها يعقوب عن نافع، قال صاحب "اللوامح": وهي من مناجاة إبراهيم عليه السلام ربه تعالى، والظاهر: أنه من مناجاة محمد - ﷺ -؛ أي: قال: يا رب بل متعت، وقرأ الأعمش: ﴿بل متعنا﴾ بنون العظمة، وهي تعضد قراءة الجمهور، قال الزمخشري: فإن قلت: فما وجه من قرأ: ﴿بل متعت﴾ بفتح التاء؟.
قلتُ: كأن الله سبحانه وتعالى خاطب نفسه، واعترض على ذاته في قوله: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨)﴾، فقال مخاطبًا لنفسه: بل متعتهم بما متعتهم به من طول العمر والسعة في الرزق، حتى شغلهم ذلك عن كلمة التوحيد، وأراد بذلك الإطناب في تعييرهم؛ لأنه إذا متعهم بزيادة النعم، وجب عليهم أن يجعلوا ذلك سببًا في زيادة الشكر والثبات على التوحيد والإيمان، لا أن يشركوا به ويجعلوا له أندادًا، فمثاله: أن يشكو الرجل إساءة من أحسن إليه، ثم يقبل على نفسه فيقول: أنت السبب في ذلك، بمعروفك وإحسانك، وغرضه بهذا الكلام توبيخ المسيء لا تقبيح فعله.
٣٠ - ثم بين سبحانه ما صنعوه عند مجيء الحق، فقال: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ﴾؛ أي: ولما جاء أهل مكة القرآن العظيم، الذي هو الحق من الله، لينبههم عما هم
(٢) البحر المحيط.