بذلك أهل أصول الحديث.
ثم إنهم لم يتفوهوا (١) بهذه الكلمة العظيمة، حسدًا على نزوله على الرسول - ﷺ -، دون من ذكر من عظمائهم، من اعترافهم بقرآنيته، بل استدلالًا على عدمها، بمعنى أنه لو كان قرآنا، لنزل على أحد هذين الرجلين، بناءً على ما زعموا، من أن الرسالة منصب جليل. لا يليق به إلا من له جلالة من حيث المال والجاه، ولم يدروا أن العظيم من عظّمه الله، وأعلى قدره في الدارين، لا من عظمه الناس، إذ رب عظيم عندهم حقير عند الله تعالى، وبالعكس، وأن الله يختص برحمته من يشاء، وهو أعلم حيث يجعل رسالته. وفي قوله: ﴿عَظِيمٍ﴾ عظيم لرسول الله - ﷺ -، وعظم شأنه وفخم.
والمعنى (٢): أي وقال كفار قريش وأمثالهم: هلا أنزل هذا القرآن على أحد رجلين عظيمين من مكة أو الطائف، وهما الوليد بن المغيرة من مكة، وعروة بن مسعود الثقفي من الطائف.
٣٢ - وهذا اعتراض منهم على الله، الذي أنزل القرآن على رسوله، فأنكر الله سبحانه عليهم ذلك، وجهلهم، وعجب من حالهم بقوله: ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ﴾ استفهام إنكار، وتجهيل لهم، وتعجب من تحكمهم، والمراد بالرحمة: النبوة، أو ما هو أعم، يعني: أبيدهم مفاتيح الرسالة والنبوة، فيضعونها حيث شاؤوا.
ثم بين سبحانه: أنه هو الذي قسم بينهم ما يعيشون به من أمور الدنيا، فقال: ﴿نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ﴾؛ أي: بين أهل الأرض ﴿مَعِيشَتَهُمْ﴾؛ أي: أسباب معيشتهم، والمعيشة: ما يعيش به الإنسان ويتغذى به، ويجعله سببًا في قوام بنيته، إذ العيش الحياة المختصة بالحيوان، وهو يعم الحلال والحرام عند أهل السنّة ﴿فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ قسمةً تقتضيها مشيئتنا، المبنية على الحكم والمصالح، ولم نفوض أمرنا إليهم، علمًا منا بعجزهم عن تدبيرها بالكلية، كما دل عليه

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon