الذي هو أجل النعم الإلهية. فـ ﴿حم (١)﴾ منحوت من الحمد، والمعنى: وحق الحق، الذي يستحق الحمد في مقابلة إنزال القرآن
٣ - ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾؛ أي: الكتاب المبين الذي هو القرآن، وهو جواب القسم؛ أي: إنا أنزلنا القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، في مكان يقال له: بيت العزة دفعةً واحدة، وأملاه جبرائيل على السفرة، ثم كان ينزله على النبي - ﷺ - نجومًا؛ أي: مفرقًا في ثلاث وعشرين سنة بحسب الوقائع؛ أي: أنزلناه ﴿فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾؛ أي: ذات بركة وخير كثير، إذ فيها الرحمة والمغفرة ومضاعفة الحسنات، واستجابة الدعوات، ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده لكفى به بركةً، وهي ليلة القدر في شهر رمضان، أو ليلة النصف من شعبان، ولها أربعة أسماء: الليلة المباركة، وليلة البراءة، ولية الصك، وليلة الرحمة، وقيل: بينها وبين ليلة القدر أربعون ليلة، والجمهور (١) على الأول، لقوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)﴾: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾، وليلة القدر في أكثر الأقاويل في شهر رمضان، وقيل: ابتداء نزوله إلى النبي - ﷺ - في ليلة القدر. قال القرطبي: ومن قال (٢): أقسم بسائر الكتب المنزلة فقوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾ كنى به عن غير القرآن، وروى قتادة عن واثلة، أن النبي - ﷺ - قال: "أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، وأنزلت الزبور لاثني عشرة من رمضان، وأنزل الإنجيل لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين مضت من رمضان، ثم قال: أنزل القرآن كله إلى السماء الدنيا في هذه الليلة، ثم أنزل نجمًا نجمًا في سائر الأيام على حسب اتفاق الأسباب"، وقيل: كانَ ينزل من اللوح المحفوظ في كل ليلة القدر، ما ينزل في سائر السنة، وقيل: كان ابتداء الإنزال من اللوح المحفوظ في هذه الليلة، انتهى.
والحكمة في نزوله ليلًا (٣): أن الليل زمان المناجاة، ومهبط النفحات، وفي الليل فراغ القلوب بذكر حضرة المحبوب، فهو أطيب من النهار عند المقربين
(٢) القرطبي.
(٣) روح البيان.