والأبرار، ووصف الليلة بالبركة، لما أن نزول القرآن مستتبع للمنافع الدينية والدنيوية بأجمعها، أو لما فيها من تنزل الملائكة والرحمة، وإجابة الدعوة ونحوها، وإلا فأجزاء الزمان متشابهة بحسب ذواتها وصفاتها، فيمتنع أن يتميز بعض أجزائه عن بعض، بمزيد القدر والشرف لنفس ذواتها.
ثم بين السبب في إنزاله، فقال: ﴿إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ﴾؛ أي: ومبشرين، ففيه اكتفاء استئناف مبين لما يقتضي الإنزال، كأنه قيل: إنا أنزلناه لأن من شأننا الإنذار والتخويف من العقاب، والتبشير بالجنة؛ أي: وإنما أنزلناه لأنا كنا معلمين الناس ما ينفعهم، فيعملون به، وما يضرهم فيجتنبونه لتقوم حجة الله على عباده.
٤ - ثم بين سبب تخصيص نزوله بتلك الليلة، فقال: ﴿فِيهَا﴾؛ أي: في تلك الليلة المباركة ﴿يُفْرَقُ﴾؛ أي: يكتب، ويفصل، ويبين، ويظهر للملائكة، الموكلين بالتصرف في العالم ﴿كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾؛ أي: كل أمر محكم، متقن، مبرم، مقضي من الله سبحانه، في تلك السنة من أرزاق العباد، وآجالهم، وجميع أمورهم إلا السعادة والشقاوة، من هذه الليلة إلى الأخرى من السنة القابلة، وقيل: يبدأ في انتساخ ذلك من اللوح المحفوظ، في ليلة البراءة: ليلة النصف من شعبان ويقع الفراغ في ليلة القدر، فتدفع نسخة الأرزاق إلى مكيائيل، ونسخة الحروب والزلازل والصواعق والخسف إلى جبرائيل، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا، وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت، حتى أن الرجل ليمشي في الأسواق، وأن الرجل لينكح ويولد له، ولقد أدرج اسمه في الموتى، وهذه الجملة إما صفة أخرى لليلة، وما بينهما اعتراض، أو مستأنفة لتقرير ما لبلها، قال الزمخشري (١): فإن قلت: ﴿إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيهَا يُفْرَقُ﴾ ما موقع هاتين الجملتين.
قلت: هما جملتان مستانفتان ملفوفتان، فسر بهما جواب القسم، الذي هو