﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾، كأنه قيل: أنزلناه؛ لأن من شأننا الإنذار والتحذير، وكان إنزالنا إياه في هذه الليلة خصوصًا؛ لأن إنزال القرآن من الأمور الحكيمة، وهذه الليلة يفرق فيها كل أمر حكيم.
قلتُ: وهذا من محاسن هذا الرجل، اهـ "سمين".
وقرأ الجمهور (١): ﴿يُفْرَقُ﴾ بضم الياء وفتح الراء مخففًا، مبنيًا للمفعول. وقرأ الحسن والأعمش والأعرج: ﴿يُفْرَقُ﴾ بفتح الياء وضم الراء. ﴿كل﴾: بالنصب ﴿حكيم﴾. بالرفع على الفاعلية، وقرأ زيد بن علي فيما ذكر الزمخشري: ﴿نفرق﴾ بالنون ﴿كل﴾ بالنصب، وفيما ذكر أبو علي الأهوازي عينه ﴿يفرق﴾ بفتح الياء وكسر الراء ونصب ﴿كل﴾، ورفع ﴿حكيم﴾ على أنه الفاعل بيفرق. وقرأ الحسن وزائدة عن الأعمش ﴿يفرق﴾ بالتشديد مبنيًا للمفعول.
قال الشوكاني: والحق (٢) ما ذهب إليه الجمهور، من أن هذه الليلة المباركة، هي ليلة القدر، لا ليلة النصف من شعبان؛ لأن الله سبحانه أجملها هنا، وبينها في سورة البقرة، بقوله: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ وبقوله في سورة القدر: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)﴾ فلم يبق بعد هذا البيان الواضح، ما يوجب الخلاف ولا ما يقتضي الاشتباه.
٥ - ﴿أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا﴾ قال الزجاج والفراء: انتصاب ﴿أَمْرٍ﴾ على المصدرية بـ ﴿يُفْرَقُ﴾؛ أي: يفرق فرقًا؛ لأن ﴿أَمْرٍ﴾ بمعنى فرقًا، مثل قولك: قعدت جلوسًا، والمعنى: إنا نأمر ببيان ذلك، ونسخه من اللوح المحفوظ، وقال المبرد: ﴿أَمْرٍ﴾ في موضع المصدر لـ ﴿أَنْزَلْنَاهُ﴾، والتقدير: ﴿أنزلناه﴾ إنزالًا من عندنا. وقال الأخفش انتصابه على الحال من فاعل أنزلناه؛ أي: أنزالناه آمرين، أو من مفعول أنزلناه؛ أي: مأمورًا به، وقيل: هو منصوب على الاختصاص؛ أي: أعني بهذا الأمر أمرًا حاصلًا من عندنا على مقتضى حكمتنا، وهو بيان لفخامته الإضافية، بعد بيان فخامته الذاتية؛ أي: فيه تفخيم لشان القرآن، وتعظيم
(٢) الشوكاني.