ثم أكد ربوبيته، بقوله: ﴿إِنَّهُ﴾ سبحانه ﴿هُوَ السَّمِيعُ﴾ لمن دعاه ﴿الْعَلِيمُ﴾ بنيته، يسمع كل شيء من شأنه أن يسمع، خصوصًا أنين المشتاقين، ويعلم كل شيء من شأنه أن يعلم، خصوصًا حنين المحبين، فلا يخفى عليه شيء من أقوال العباد وأفعالهم، وأحوالهم، وهو تحقيق لربوبيته تعالى، وأنها لا تحق إلا لمن هذه نعوته الجليلة؛ أي: إنه إنما فعل تلك الرحمة؛ لأنه هو السميع لأقوالهم، العليم بما يصلح أحوالهم، فلا عجب أن أرسله إليهم لحاجتهم إليه.
٧ - ثم أكد العلة في سمعه للأشياء وعلمه بها، فقال: ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ بدل من ربك؛ أي: مالك جميع الموجودات العلوية والسفلية ﴿إِنْ كُنْتُمْ﴾ أيها المشركون ﴿مُوقِنِينَ﴾ بشيء، فهذا أولى ما توقنون به، لفرط ظهوره، أو إن كنتم مريدين لليقين فاعلموا ذلك.
والمعنى: إنه هو السميع لكل شيء، العليم به؛ لأنه مالك السموات والأرض وما فيهما وما بينهما، إن كنتم تطلبون معرفة ذلك، معرفة يقين لا شك فيه؛ أي: إن كنتم موقنين بأنه ربّ السموات والأرض وما بينهما.. فأقرّوا بتوحيده، ولا تكذبوا رسوله فيما دعاكم إليه، وقد أقروا بذلك، كما حكاه الله عنهم، في غير موضع. وقرأ ابن محيصن (١) والأعمش وأبو حيوة والكوفيون: ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ﴾ بالخفض، بدلًا من ﴿رَبِّكَ﴾، أو بيانًا له، أو نعتًا، وقرأ باقي السبعة والأعرج وابن أبي إسحاق وأبو جعفر وشيبة بالرفع على القطع؛ أي: هو رب السموات، أو على البدل من السميع العلم، أو على أنه مبتدأ، وخبره ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾.
٨ - وبعد أن أثبت ربوبيته ووحدانيته، ذكر فذلكة لذلك، فقال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ إذ لا خالق سواه، جملة مستأنفة مقررة لما قبلها، أو خبر ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ كما مر، وكذلك جملة ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ فإنها مستأنفة مقررة لما قبلها؛ أي (٢): يوجد الحياة في الجماد، ويوجد الموت في الحيوان بقدرته، كما يشاهد
(٢) روح البيان.