ذلك؛ أي: يعلم علمًا جليًا يشبه المشاهدة؛ أي: هو سبحانه الإله الذي لا تصلح العبادة إلّا له، وهو المحيي المميت، فيحيي ما يشاء مما يقبل الحياة، ويميت ما يشاء عند انتهاء ما قدر له ﴿رَبُّكُمْ﴾؛ أي: هو ربكم أيها العباد، وخالقكم ورازقكم ﴿وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ﴾؛ أي: رب آدم ومن دونه من الأولين.
وقرأ الجمهور (١): ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ﴾ برفعهما على الاستئناف، بتقدير مبتدأ؛ أي: هو ربكم، أو على أنه بدل من ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ﴾، أو بيان، أو نعت له، وقرأ ابن أبي إسحاق وابن محيصن وأبو حيوة والزعفراني وابن مقسم والحسن وأبو موسى عيسى بن سليمان، وصالح الناقط كلاهما عن الكسائي بالجر، على أنه بدل ثان من ﴿رَبِّكَ﴾، أو بيان له، وقرأ أحمد بن جبير الأنطاكي ﴿ربكم ورب آبائكم﴾ بالنصب على المدح.
والمعنى (٢): هو مالككم والمتصرّف فيكم، ومالك آبائكم الأولين، ومدبر شؤونهم، فاعبدوه دون آلهتكم التي لا تقدر على ضر ولا نفع.
٩ - ثم بين أنهم، ليسوا بموقنين بالجواب، بعد أن تبين لهم الرشد من الغي، فقال: ﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ﴾ مما ذكر من شؤونه تعالى، غير موقنين في إقرارهم بأنه تعالى رب السموات والأرض وما بينهما ﴿يَلْعَبُونَ﴾ لا يقولون ما يقولون عن جدّ وإذعان، بل مخلوطًا بهزء ولعب، وهو خبر آخر للمبتدأ. وفي "كشف الأسرار" الظرف متعلق بالفعل، أو حال من فاعل ﴿يَلْعَبُونَ﴾؛ أي: بل هم يلعبون في شك، ويتحيرون فيه، مثل قوله: ﴿فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ أو بل هم حال كونهم في شك مستقر في قلوبهم يلعبون؛ أي: بل هم في شك من التوحيد والبعث والإقرار، بأن الله خالقهم، وإن قالوا ذلك، فإنما يقولونه تقليدًا لآبائهم، من غير علم، إذ هم قابلوه وبالهزء والسخرية، فعل اللاعب العابث الذي يأخذ الجد، وما لا مرية فيه، أخذ الهزل الذي لا فائدة فيه.
(٢) المراغي.