١٠ - والفاء، في قوله: ﴿فَارْتَقِبْ﴾ فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره إذا عرفت حالهم هذا، وأردت بيان عاقبتهم... فأقول لك: انتظر يا محمد لكفار مكة ﴿يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: ظاهر لا شك فيه، و ﴿يَوْمَ﴾ مفعول ﴿ارتقب﴾ والباء للتعدية، ويجوز أن يكون ظرفًا له، والمفعول محذوف؛ أي: ارتقب وعد الله في ذلك اليوم، أطلق الدخان على شدة القحط، وغلبة الجوع على سبيل الكناية، أو المجاز المرسل.
والمعنى (١): فانتظر لهم يوم شدةٍ ومجاعة فإن الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان، إما لضعف بصره، أو لأن في عام القحط يظلم الهواء، لقلة الأمطار وكثرة الغبار، ولذا يقال لسنة القحط السنة الغبراء، كما قالوا: عام الرمادة، والظاهر أن السنة الغبراء ما لا تنبت الأرض فيها شيئًا، وكانت الريح إذا هبت ألقت ترابًا كالرماد، أو لأن العرب تسمي الشر الغال دخانًا، وإسناد الإتيان إلى السماء لأن ذلك يكفها عن الأمطار، فهو من قبيل إسناد الشيء إلى سببه.
١١ - وذلك أن قريشًا لما بالغوا في الأذية له - ﷺ - دعا عليهم، فقال: اللهم اشدد وطأتك على مضر؛ أي: عقابك الشديد. يعني: خذهم أخذًا شديدًا. واجعلها عليهم سنين كسني يوسف، وهي السبع الشداد، فاستجاب الله دعاءه، فأصابتهم سنة؛ أي: قحط حتى أكلوا الجيف، والجلود، والعظام، والعلهز وهو الوبر والدم المخلوطان؛ أي: يخلط الدم بأوبار الإبل، ويشوى على النار، كان الرجل منهم يرى بين السماء والأرض الدخان من الجوع، وكان يحدث الرجل، ويسمع كلامه، ولا يراه من الدخان، وذلك قوله تعالى: ﴿يَغْشَى النَّاسَ﴾ صفة ثانية لـ ﴿دُخَانٍ﴾؛ أي: يحيط ذلك الدخان بهم، ويشملهم من جميع جوانبهم حال عونهم قائلين: ﴿هَذَا﴾ الجوع، أو الدخان ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ فمشى إليه - ﷺ - أبو سفيان ونفر معه، وناشدوه الله والرحم؛ أي: قالوا: نسألك يا محمد بحق