الله وبحرمة الرحم أن تستسقي لنا،
١٢ - ووعدوه إن دعا لهم وكشف عنهم القحط أن يؤمنوا، وذلك قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ﴾؛ أي: وقائلين: ربنا اكشف وارفع عنا هذا العذاب؛ أي: عذاب الجوع، أو عذاب الدخان، ومآلهما واحد، فإن الدخان إنما ينشأ من الجوع ﴿إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾ بعد رفعه عنا.
قال الشوكاني: وقد اختلف (١) في هذا الدخان، المذكور في الآية متى يأتي، فقيل: إنه من أشراط الساعة، وأنه يمكث في الأرض أربعين يومًا، وقد ثبت في "الصحيح": أنه من جملة العشر الآيات، التي تكون قبل قيام الساعة، وقيل: إنه أمر قد مضى، وهو ما أصاب قريشًا بدعاء النبي - ﷺ - كما بينا آنفًا، وهذا ثابت في "الصحيحين". وغيرهما، وقيل: إنه يوم فتح مكة، فقد قال الأعرج: إن المراد بالدخان: هو الغبار الذي ظهر يوم فتح مكة من ازدحام جنود الإسلام حتى حجب الأبصار عن رؤية السماء، فحينئذ فالمراد بالعذاب: في قوله: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ﴾: الجوع الذي كان بسبه، ما يرونه من الدخان، أو الدخان الذي هو من أشراط الساعة، أو يرونه يوم فتح مكة، على اختلاف الأقوال، والراجح منها: أنه الدخان الذي كانوا يتخيلونه، مما نزل بهم من الجهد وشدة الجوع، ولا ينافي ترجيح هذا القول ما ورد أن الدخان من آيات الساعة، فإن ذلك دخان آخر، ولا ينافيه أيضًا ما قيل: إنه الذي كان يوم فتح مكة، فإنه دخان على تقدير صحة وقوعه، اهـ. بتصرف واختصار.
والمعنى (٢): أي فانتظر يوم يأتيهم الجدب والمجاعة، التي تجعل الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان، المنتشر في الفضاء، يغشى ذلك الدخان، ويحيط بهم من كل جانب، فيقولون: ربنا هذا عذاب مؤلم، يقض المضاجع، وينتهي إلى موت محقق إن دام، فاكشفه عنا إنا مؤمنون، إن كشفته عنا، وهذه هي طبيعة البشر، إذا هم وقعوا في شدة أيا كانت، أن يعدوا بالتوبة والإقلاع عما هم فيه، ولكن النفوس الشريرة لا تتجه إلى فعل الخير، ولا تفعل ما تتقرب به

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon