الله العصمة من عذابه وجحيمه، والتوفيق لما يوصل إلى رضاه ونعمته، وقال بعض المفسرين: المراد بالدخان: ما هو من أشراط الساعة كما مر، وهو دخان يأتي من السماء قبل يوم القيامة، فيدخل في أسماع الكفرة، حتى يكون رأس الواحد منهم كالرأس الحنيذ؛ أي: المشوي، ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام، وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه، ليس فيه خصاص؛ أي: فرجة يخرج منها الدخان، وفي الحديث: "أول الآيات الدخان، ونزول عيسى بن مريم، ونار تخرج من قعر عدن أبين"، وهو بفتح الهمزة على ما هو المشهور، اسم رجل بني هذه البلدة باليمن، وأقام بها، تسوق الناس إلى المحشر؛ أي: إلى الشام والقدس، قال حذيفة: فما الدخان؟ "فتلا الآية، فقال: يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يومًا وليلةً، أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكمة، وأما الكافر فهو كالسكران، يخرج من منخريه وأذنيه ودبره".
وقال حذيفة بن أسيد الغفاري - رضي الله عنه -: اطلع رسول الله - ﷺ - علينا ونحن نتذاكر فقال - ﷺ -: "ما تذاكرون"؟ فقالوا: نذكر الساعة، فقال - ﷺ -: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها آيات"؛ أي: علامات، فذكر الدخان والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم.
١٧ - ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ﴾ وقرىء ﴿فتنا﴾ بتشديد التاء للمبالغة في الفعل، أو لتكثير متعلقه؛ أي: وعزتي وجلالي لقد فتنا وابتلينا قبل كفار مكة ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾؛ أي: القبط، وامتحناهم؛ أي: فعلنا بهم فعل الممتحن بإرسال موسى عليه السلام إليهم ليؤمنوا، ويظهر منهم ما كان مستورًا، فاختاروا الكفر على الإيمان.
فالفعل حقيقة، أو المعنى (١): أوقعناهم في الفتنة بالإمهال، وتوسيع الرزق