عليهم، فهو مجاز عقلي من إسناد الفعل إلى سببه؛ لأن المراد بالفتنة حينئذ: ارتكاب المعاصي، وهو تعالى كان سببًا لارتكابها بالإمهال والتوسيع المذكورين ﴿وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ﴾ على الله تعالى، وهو موسى عليه السلام، بمعنى: أنه استحق على ربه أنواعًا كثيرة من الإكرام، أو كريم على المؤمنين، أو في نفسه، لأن الله تعالى لم يبعث نبيًا إلا من كان أفضل نسبًا، وأشرف حسبًا على أن الكرم بمعنى الخصلة المحمودة، وقال بعضهم: لمكالمته مع الله تعالى، واستماع كلامه من غير واسطة، وقال مقاتل: حسن الخلق بالتجاوز والصفح، وقال الفراء: كريم على ربه إذ اختصه بالنبوة.
وفي الآية: إشارة إلى أنه تعالى جعل فرعون وقومه فيما فتنهم فداء أمة محمد - ﷺ -، لتعتبر هذه الأمة بهم، فلا يصرون على جحودهم كما أصروا، ويرجعوا إلى طريق الرشد، ويقبلوا دعوة نبيهم، ويؤمنوا بما جاء به لئلا يصيبهم مثل ما أصابهم بعد أن جاءهم رسول كريم
١٨ - ﴿أَنْ أَدُّوا﴾ ﴿أن﴾ إما مصدرية؛ أي: بأن أدوا، وادفعوا ﴿إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ﴾؛ أي: بني إسرائيل، وسلموهم، وأرسلوهم معي لأذهب بهم إلى الشام موطن آبائهم، ولا تستعبدوهم، ولا تعذبوهم؛ أي: جئتكم من الله تعالى لطلب تأدية عباد الله إلى. يقول الفقير: فتكون التأدية بعد الإيمان، كما قالوا في آية اخرى: ﴿لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾، ونظيره قول نوح عليه السلام لابنه: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾؛ أي: آمن واركب، فإن الراكب إنما هم المؤمنون، والركوب متفرع على الإيمان. وقال بعضهم: ﴿عِبَادَ اللَّهِ﴾ منصوب بحرف النداء المحذوف؛ أي: بأن أدوا إلى يا عباد الله حقه من الإيمان، وقبول الدعوة، وقيل: المعنى أدوا إلى يا عباد الله سمعكم، حتى أبلغكم رسالة ربكم، وإما مفسرة لتقدم ما هو بمعنى القول، وهو رسول كريم، أو مخففة من الثقيلة، والمعنى: أن الشأن والحال. أدوا إلى عباد الله، والأول أولى وأوضح.
وقوله: ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ﴾ من الله ﴿أَمِينٌ﴾ على وحيه ورسالته، صادق في دعواه بالمعجزات، تعليل للأمر بالتأدية، وفيه إشارة إلى أنّ بني إسرائيل، كانوا


الصفحة التالية
Icon