تقتلوني. قيل: لما قال: ﴿وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ﴾ توعدوه بالقتل. وفي "التأويلات النجمية". وإني عذت بربي من شر نفسي، وبربكم من شر نفوسكم، أن ترجموني بشيء من الفتن، انتهى.
والمعنى: وإني التجىء إلى الله الذي خلقني وخلقكم، أن لا تصلوا إلبم بسوء من قول أو فعل، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي (١): ﴿عُتُّ﴾.
٢١ - ﴿وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي﴾؛ أي: وإن لم تصدقوني، وتقروا نبوتي ﴿فَاعْتَزِلُونِ﴾؛ أي: فاتركوني، ولا تتعوضوا لي بأذى. قال مقاتل: دعوني كفافًا لا علي ولا لي. وقيل: كونوا بمعزل عني، وأنا بمعزل منكم إلى أن يحكم الله بيننا، وقيل: فخلوا سبيلي، والمعنى متقارب، والإيمان يتعدى باللام باعتبار معنى الإذعان والقبول، وبالباء باعتبار معنى الاعتراف، وحقيقة آمن به أمن المخبر من التكذيب والمخالفة، وقال ابن الشيخ: اللام للأجل بمعنى: لأجل ما أتيت به من الجحة.
والمعنى (٢): وإن كابرتم مقتضى العقل، ولم تصدقوني فكونوا بمعزل منى، لا علي ولا لي، ولا تتعوضوا إلى بشر ولا أذى، لا باليد ولا باللسان، فليمعى ذلك من جزاء من يدعوكم إلى ما فيه فلاحُكم، فالاعتزال كناية عن الترك، ولا يراد به الاعتزال بالأبدان.
قال القاضي عبد الجبار - من متأخري المعتزلة -: كل موضع جاء فيه لفظ الاعتزال في القرآن، فالمراد به: الاعتزال عن الباطل، وبهذا صار اسم الاعتزال اسم مدح، وهو منقوض، بقوله تعالى: ﴿وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١)﴾، فإن المراد بالاعتزال هنا: العزلة عن الإيمان التي هي الكفر، لا العزلة عن الكفر والباطل.
وخلاصة المعنى (٣): أي وإن لم تصدقوني فيما جئتكم به، من عند ربكم فخلوا سبيلي، ولا ترجموني باللسان ولا باليد، ودعوا الأمر بيني وبينكم

(١) البيضاوي.
(٢) روح البيان
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon