بمعنى الفرجة الواسعة؛ أي: ذا رهو أو راهيًا، مفتوحًا على حاله منفرجًا، ولا تخف أن يتبعك فرعون وقومه، أو ساكنًا على هيئته بعدما جاوزته، ولا تضرب بعصاك لينطبق، ولا يغيره عن حاله ليدخله القبط، فإذا دخلوا فيه أطبقه الله عليهم، فيكون معنى ﴿رَهْوًا﴾ ساكنًا غير مضطرب، وذلك لأن الماء وقف له كالطود العظيم، حتى جاوز البحر ﴿إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ﴾ علة للأمر بترك البحر رهْوًا، والجند جمع معد للحرب، والإغراق والغرق الرسوب في الماء، والتسفل فيه؛ أي: وإذا قطعت البحر أنت وأصحابك، فاتركه منفرجًا، ساكنًا على حاله التي كان عليها حين دخلته، حتى يدخله فرعون وقومه فيغرقوا فيه؛ لأنهم جند مغرقون، في سابق علمنا، أخبر تعالى موسى بذلك ليسكن قلبه، ويطمئن جأشه. وقرأ الجمهور (١): بكسر همزة ﴿إنَّ﴾ على الاستئناف، لقصد الإخبار بذلك، وقرىء بالفتح على تقدير لأنهم
٢٥ - ﴿كَمْ﴾ هي الخبرية، المفيدة للتكثير، في محل النصب على أنه مفعول ﴿تَرَكُوا﴾، وقوله: ﴿مِنْ جَنَّاتٍ﴾ بيان لإبهامها ﴿وَعُيُونٍ﴾ معطوف على ﴿جَنَّاتٍ﴾؛ أي: ترك آل فرعون في مصر كثيرًا من بساتين كثيرة الأشجار، وعيون نابعة بالماء، وكانت بساتينهم متصلةً من رشيد إلى أسوان، وقدر المسافة بينهما أكثر من عشرين يومًا. ولعل (٢) المراد بالعيون: الأنهار الجارية، المتشعبة من النيل، إذ ليس في مصر آبار ولا عيون، كما قال بعضهم في ذمها هي بين بحر رطب، عفن، كثير البُخارات الرديئة، التي تولد الأدواء، وتفسد الغذاء، وبين جبل وبر يابس صلد. ولشدة يبسه لا تنبت فيه خضراء، ولا تنفجر فيه عين ماء، انتهى.
وفي الآية (٣) اختصار، والمعنى: فعل موسى ما أمر به، بأن ترك البحر رهوًا. فدخله فرعون فأغرقوا، وتركوا بساتين كثيرةً وعيونًا نابعةً، قال بعضهم: لما كان فرعون يفتخر بالماء وجريان الأنهار من تحت قصره، وأشجار بساتينه جاء الجزاء من جنس العمل، ولذا أمر الله تعالى موسى عليه السلام، بأن يسير

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon