المناسبة
قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ...﴾ الآيات، مناسبة أول هذه السورة لآخر السابقة: أنه قال في آخر السابقة: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ...﴾ الآية، ولما كان في ذلك، الحكم عليهم بالضلال لما كفروا به، قال هنا كذلك؛ أي: مثل الإيحاء السابق في القرآن، الذي كفر به هؤلاء يوحي إليك؛ أي: إن وحيه تعالى إليك، متصل غير منقطع، يتعهّدك وقتًا بعد وقت.
وبيّن سبحانه: أنّ ما جاء في هذه السورة، موافق لما في تضاعيف الكتب، المنزلة على سائر الرسل، من الدعوة إلى التوحيد، والإيمان باليوم الآخر، والتزهيد في جمع حطام الدنيا، والترغيب فيما عند الله، ثم ذكر أن ما في السموات والأرض فهو ملكه وتحت قبضته، وله التصرف فيه إيجادًا وإعدامًا، وتكوينًا وإبطالًا وأنّ السموات والأرض على عظمهما، تكاد تتشقّق فرقًا من هيبته، وجلاله سبحانه، وأن الملائكة ينزّهونه عما لا يليق به، من صفا النقص، ويطلبون المغفرة لعباده المؤمنين، ثم أردت هذا بتسلية رسول - ﷺ -، بأنه ليس بالرقيب على عبدة الأصنام والأوثان، فيستطيع أن يردّهم إلى سواء السبيل، بل ليس عليه إلا البلاغ، وعلينا حسابهم، فلا يبخع نفسه عليهم حسرات، إن الله عليم بما يصنعون.
قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه، لما (١) بيّن فيما سلف، أنه هو الرقيب على عباده، المحصي لأعمالهم، وأنه - ﷺ - نذير فحسسب، وليس عليه إلا البلاغ.. ذكر هنا أنه أنزل كتابه بلغة العرب، ليفهمه قومه من أهل مكة، وما حولها كما قال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ وينذرهم، بأن يوم القيامة آت لا شك فيه، وأن الناس إذ ذلك فريقان: فريق يدخل الجنة، بما قدّم من صالح