الأعمال، وفريق يدخل النار بما دسّى به نفسه من سيِّء الأفعال، ثم ذكر أنّ حكمته اقتضت أن يكون الإيمان بالتكليف اختيارًا، ولم يشأ أن يكون قسرًا وجبرًا، ولو شاء أن يكون كذلك لفعل، فمن أخبت لله وأناب وعمل صالحًا أفلح، وفاز بالسعادة، ومن عاث في الأرض فسادًا، واتجهت همته إلى ارتكاب الثرور والآثام خسر، وباء بغضب من الله، ومأواه جهنم وبئس المهاد، ولا يجد له من دون الله وليًا ولا نصيرًا.
قوله تعالى: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنّ الله سبحانه لما ذكر أنهم اتخذوا من دون الله أولياء، وأن الله وكيل عليهم، ولست أيها الرسول بالحفيظ عليهم.. طلب إليه هنا، أن يدع الاهتمام بأمرهم، ويقطع الطمع في إيمانهم، مبينًا أنهم اتخذوا من دون الله أولياء، وهو سبحانه الولي حقًا، القادر على كل شيء فقد عدلوا إلى ما لا نسبة بينه وبينهم بحال.
قوله: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ...﴾ الآية، مناسبتها لما قبلها: أنه سبحانه لما عظم (١) وحيه إلى رسوله - ﷺ -، وأبان ما له من كبير الخطر، حين نسبه إليه تعالى، وأنه صادر من عزيز حكيم، لا يوحي إلا بما فيه مصلحة البشر، ومنفعتهم في دينهم ودنياهم.. ذكر هنا تفصيل هذا الوحي، وأرشد إلى أنه هو الدين الذي وصّى به أكابر الأنبياء، وأصحاب الشرائع العظيمة، والأتباع الكثيرة، وأردف ذلك أن المشركين يشقّ عليهم دعوتهم إلى التوحيد، وترك الأنداد والأوثان، وأنّ الله يهدي من يشاء من عباده لهدي دينه، وأنهم ما خالفوا الحق إلا بعد إبلاغه إليهم، وقيام الحجة عليهم، وأنه ما حملهم على ذلك إلا البغي والعدوان والحسد، وأنه لولا الكلمة السابقة من الله، بإنظار المشركين بإقامة حسابهم إلى يوم المعاد.. لعجّل لهم العقوبة في الدنيا، وأن من اعتنقوا الأديان من بعد الأجيال الأولى، ليسوا على يقين من أمرهم، وإيمانهم،