وإنما هم مقلّدون لآبائهم وأسلافهم بلا دليل ولا برهان، وهم في حيرة من أمرههم وشك مريب، وشقاق بعيد.
قوله تعالى: ﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ...﴾ الآية، مناسبتها لما قبلها: أنّ الله سبحانه، لما (١) أمرهم بالوحدة في الدين وعدم التفرّق فيه، وذكر أنهم قد تفرّقوا فيه من بعد ما جاءهم العلم بغيًا وحسدًا وعنادًا واستكبارًا، أمر رسوله - ﷺ -، بالدعوة إلى الاتفاق على الملة الحنيفية والثبات عليها، والدعوة إليها، وأن لا يتبع أهواءهم الباطلة. ثم أمره بالإيمان بجميع الكتب السماوية وبالعدل بين الناس والمساواة بينهم وبين نفسه، فلا يأمرهم بما لا يعمله، أو يخالفهم فيما نهاهم عنه، ثم أردف ذلك ببيان أن إلههم جميعًا واحد، وأنّ كل امرىء مسؤول عن عمله، وأن الله يجمع الناس يوم القيامة، ويجازيهم بأعمالهم.
وقد اشتملت هذه الآية الكريمة، على عشرة أوامر ونواه، كل منها مستقل بذاته ودالّ على حكم برأسه، ولا نظير لها في ذلك إلا آية الكرسي، فهي عشرة فصول أيضًا.
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ...﴾ الآيات، مناسبتها لما قبلها: أنّ الله سبحانه وتعالى، لما ذكر فيما سلف، أن لا محاجة بين المشركين والمؤمنين لوضوح الحجة، بيّن هنا أنّ الذين يخاصمون في دين الله، من بعد ما استجاب الناس له، ودخلوا فيه أفواجًا، حجتهم في الصرف عنه زائفة، لا ينبغي النظر إليها، وعليهم غضب من ربهم، لمكابرتهم للحقّ بعد ظهوره، ولهم عذاب شديد يوم القيامة.
رُوي: أن اليهود قالوا للمؤمنين: إنكم تقولون: إن الأخذ بالمتفق عليه أولى من الأخذ بالمختلف فيه، ونبوّة موسى وتوراته مسلّمة بيننا وبينكم، ونبوّة محمد - ﷺ - ليست كذلك، وإذًا لأخذ باليهودية أولى فدحض الله سبحانه وتعالى هذه الحجة، بأنّ الإيمان بموسى إنما وجب لظهور المعجزات على يديه. دالة