والإشارة إلى مصدر فعل يدل عليه ﴿تَرَكُوا﴾؛ أي: مثل ذلك السلب سلبناهم إياها، وقيل: مثل ذلك الإخراج أخرجناهم منها، وقيل: مثل ذلك الإهلاك أهلكناهم، فعلى الوجه الأول يكون قوله: ﴿وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ معطوفًا على ﴿تَرَكُوا﴾، وعلى الأوجه الأخيرة يكون معطوفًا على الفعل المقدر، والمراد بالقوم الآخرين: بنو إسرائيل، فإن الله سبحانه ملكهم أرض مصر، بعد أن كانوا فيها مستعبدين، فصاروا لها وارثين؛ أي: إنها وصلت إليهم كما يصل الميراث إلى الوارث بلا كلفة، ومثل هذا قوله تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا﴾.
أي (١): جعلنا أموال القبط لقوم، ليسوا منهم في شيء، من قرابة، ولا دين، ولا ولاء، وهم بنو إسرائيل، كانوا مسخرين لهم مستعبدين في أيديهم، فأهلكهم الله تعالى، وأورثهم ديارهم وملكهم وأموالهم، وقيل: غيرهم لأنهم لم يعودوا إلى مصر. قال قتادة: لم يروَ في مشور التواريخ، أنهم رجعوا إلى مصر، ولا ملكوها قط، ورد بأنه لا اعتبار بالتواريخ فالكذب فيها كثير، والله تعالى أصدق قيلًا، وقد جاء في الشعراء التنصيص بإيراثها بني إسرائيل، هذا في "حواشي" سعدي المفتي.
قال المفسرون عند قوله تعالى (٢): ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: يجعلكم خلفاء في أرض مصر، أو في الأرض المقدسة، وقالوا في قوله تعالى: ﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا﴾؛ أي: أرض الشام، ومشارقها ومغاربها، جهاتها الشرقية والغربية، ملكها بنو إسرائيل بعد الفراعنة. والعمالقة، بعد انقضاء مدة التيه، وتمكنوا في نواحيها، فاضطرب كلامهم، فتارةً حملوا الأرض على أرض مصر، وأخرى على أرض الشام، والظاهر: الثاني ولأن المتبادر استخلاف أنفس المستضعفين لا أولادهم، ومصر إنما ورثها أولادهم؛ لأنها فتحت في زمان

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon