داوود عليه السلام، ويمكن أن يحمل على أرض الشام ومصر جميعًا والمراد بالمستضعفين: هم وأولادهم، فإن الأبناء ينسب إليهم ما ينسب إلى الآباء، والله أعلم.
وعبارة "المراغي" هنا: أي كم (١) ترك فرعون وقومه، بعد مهلكهم من بساتين فيحاء، وحدائق غناء، وزروع ناضرة، وقصور شاهقة، فقد كانوا في بُلَهْنِيَّةٍ من العيش، وسعة في الرزق، وخفض ودعة، وسرور، وحبور، ثم أكد هذا بقوله: ﴿كَذَلِكَ﴾؛ أي: هكذا فعلنا بهؤلاء الذين كذبوا رسلنا، وهكذا نفعل بكل من عصانا، وخالف أمرنا ﴿وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾؛ أي: وأورثنا تلك البلاد بما فيها من خير عميم ونعيم عظيم، قومًا غير أهلها ممن لا يمتون (٢) - لا ينسبون - إليهم بقرابة ولا دين، فقد تغلب على مصر الآشوريون، والبابليون حينًا، والحبش حينًا آخر، ثم الفرس مدةً، واليونان أخرى، ثم الرومان من بعدهم، ثم العرب، ثم الطولونيون، والإخشيديون، والفاطميون، والمماليك البرية والبحرية، والترك والفرنسيون، والإنكليز، وها نحن أولاء نجاهد لنحظى بخروجهم من ديارنا، ونتمكن من استقلال بلادنا، ولله الأمر من قبل ومن بعد ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦)﴾.
٢٩ - ثم سخر منهم، واستهزأ بهم حين هلكوا، فقال: ﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ﴾ مجاز مرسل عن عدم الاكتراث بهلاكهم. والاعتداد بوجودهم؛ لأن سبب البكاء على الشيء هو المبالاة بوجوده، قال المفسرون؛ أي (٣): إنهم لم يكونوا يعملون على الأرض عملًا صالحًا تبكي عليهم به، ولم يصعد لهم إلى السماء عمل طيب يُبْكَى عليهم به.
(٢) يمتون: المت التوسل بقرابة بابه رد اهـ مختار.
(٣) الشوكاني.