صفته، كبقلة الحمقاء، أو من عذاب فرعون المهين إياهم؛ لأنه كان عظيم السعي في إهانة المحقين، وقرأ ابن عباس ﴿من فرعون﴾، من اسم استفهام مبتدأ، و ﴿فرعون﴾ خبره لما وصف فوعون بالشدة والفظاعة، قال ﴿من فرعون﴾ على معنى: هل تعرفونه من هو في عتوه وشيطنته.
ثم عرف حاله في ذلك. بقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا﴾؛ أي: متكبرًا عن الإيمان وقبول الحق، ﴿مِنَ الْمُسْرِفِينَ﴾ خبر ثان؛ أي: من الذين أسرفوا على أنفسهم بالظلم والعدوان، وتجاوز الحد في الكفر والعصيان، ومن إسرافه أنه على حقارته، وخسة شأنه ادعى الإلهية، وكان أكفر الكمار، وأطغاهم، وهو أبلغ من أن يقال: مسرفًا لدلالته على أنه معدود في زمرتهم، مشهور بأنه في جملتهم، وفيه ذم لفرعون، ولمن كان مثله في العلو والإصراف، كنمرود وغيره، وبيان أن من أهان المؤمن، أهلكة الله تعالى، وأذله، ومن يهن الله فما له من مكرم، وأن النجاة من أيدي الأعداء، من نعم الله الجليلة على الأحباب، فإن من نكد الدنيا ومصائبها على الحر، أن يكون مغلوبًا للأعداء، وأن يرى عدوًا له، ما من صداقته بد، وأن الله تعالى إذا أراد للمرء ترقيًا في دينه ودنياه، يقدم له البلايا ثم بنجيه.
والمعنى: أي ولقد خلصناهم بإهلاك عدوهم مما كانوا فيه من الاستعباد، وقتل الأبناء، واستحياء النساء، وتكليفهم بالأعمال الشاقة إلى نحو ذلك، من وسائل الخسف والضيم، إذ كان جبارًا مستكبرًا مسرفًا في الشر والفساد، ولا أدل على ذلك من ادعائه الألوهية إذ قال: ﴿أنا ربكم الأعلى﴾، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾.
٣٢ - وبعد أن بين طريق دفعه التفسير عنهم، أردف ذلك، ذكر ما أكرمهم به، فقال: ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد اصطفينا بني إسرائيل ﴿عَلَى عِلْمٍ﴾ في محل النصب على الحال من فاعل ﴿اخترنا﴾؛ أي (١): حالة كوننا

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon