لا أعذب عبدًا قال: لا إله إلا الله مخلصًا فلقيني بها. ومعناه على ما قاله أبو الليث في تفسيره: لا يعذبه عذابًا دائمًا خالدًا. وفي الحديث: "افتتحوا صبيانكم بلا إله إلا الله، ولقنوا موتاكم بلا إله إلا الله" والحكمة في ذلك أنّ حال الصبيان حال حسن لا غلّ - غش - في قلوبهم، وحال الموتى حال الاضطرار، فإذا قلتم في أول ما يجري عليكم القلم، وآخر ما يجفّ عليكم القلم، فعسى الله أن يتجاوز ما بين ذلك.
واختلفوا (١) في حم، فأخرجها بعضهم من حيّز الحروف، وجعلها فعلًا فقال: معناها حم الأمر؛ أي: قضي، وبقي عسق على أصله، وفي "المراغي": وقد تقدم قولنا: إن الحروف المقطعة التي جاءت في أوائل السور، حروف تنبيه، نحو: ألا ويا، ونحوها، يؤتى بها لإيقاظ السامع، وتنبيهه إلى ما سيلقى إليه من الأمور العظام، المشتملة عليها هذه السورة، وينطق بأسمائها هكذا ﴿حاميم عين سين قاف﴾.
وقيل غير ذلك، مما هو متكلف متعسف، لم يدل عليه دليل، ولا جاء به حجة، ولا شبهة حجة، والأسلم تفويض علمه إلى الله تعالى، فيقال: الله أعلم بمراده بذلك.
٣ - ﴿كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ﴾ في ملكه: ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه، والكاف في حيز النصب على أنه مفعول ليوحي، والجلالة فاعله؛ أي: مثل ما في هذه السورة من المعاني، يوحي الله العزيز الحكيم إليك، في سائر السور، وإلى من قبلك من الرسل في كتبهم، على أن مناط المماثلة هو الدعوة إلى التوحيد والإرشاد إلى الحق، وما فيه صلاح العباد في المعاش والمعاد، ويجوز أن يكون الكاف في حيز النصب، على أنه نعت لمصدر مؤكد ليوحي؛ أي: مثل إيحاء هذه السورة؛ يوحي الله العزيز الحكيم إليك، عند إيحاء سائر السور، وإلى سائر الرسل عند إيحاء كتبهم إليهم لا إيحاء مغايرًا على أن مدار

(١) الخازن.


الصفحة التالية
Icon