وتوسيط (١) حرف النفي بين المعطوفين، مع أن عدم إغناء الأصنام أظهر وأجلى، من عدم إغناء الأموال والأولاد قطعًا، مبني على زعمهم الفاسد، حيث كانوا يطمعون في شفاعتهم، وفيه تهكم، وقيل: زيادة ﴿لا﴾ في الجملة الثانية للتأكيد. و ﴿ما﴾ في الموضعين، إما مصدرية أو موصولة.
والمعنى (٢): أي ولا يدفع العذاب عنهم ما كسبوا من الأموال والأولاد، ولا تغني عنهم أصنامهم التي عبدوها من عذاب الله شيئًا ﴿وَلَهُمْ﴾ فيما وراءهم من جهنم ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ لا يعرف كنهه، ولا يقادر قدره؛ أي: بالغ إلى أقصى الغايات في كونه ضررًا.
١١ - وقوله: ﴿هَذَا هُدًى﴾ جملة مستأنفة؛ أي: هذا القرآن هدى للمهتدين به؛ أي: في غاية الكمال من الهداية، كأنه نفسها، كقولك: زيد عدل ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ القرآنية ﴿لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ﴾؛ أي: من أشد العذاب ﴿أَلِيمٌ﴾ بالرفع صفة عذاب.
والمعنى: أي هذا القرآن الذي أنزلناه إليك أيها الرسول، هاد إلى الحق وإلى صراط مستقيم، لمن اتبعه وعمل بما فيه، والذين جحدوا بآياته الكونية في الأنفس والآفاق، وآياته المنزلة على ألسنة رسله، لهم العذاب المؤلم، الموجع يوم القيامة، وقرأ (٣) طلحة وابن محيصن وأهل مكة وابن كثير وحفص: ﴿أَلِيمٌ﴾ بالرفع صفة لـ ﴿عذاب﴾ وقرأ الحسن وأبو جعفر وشيبة وعيسى والأعمش وباقي السبعة: بالجر نعتًا لرجز
١٢ - ﴿اللَّهُ﴾؛ أي: الإله الذي يستحق منكم العبادة، هو الإله ﴿الَّذِي سَخَّرَ﴾ وذلل ﴿لَكُمُ الْبَحْرَ﴾؛ أي: جعله على صفة، تتمكنون بها منه الركوب عليه، بأن جعله أملس السطح؛ أي: مستويه يعلو عليه ما شأنه الغوص كالأخشاب، ولا يمنع الغوص والخرق لميعانه، فإنه لو جعل خشن السطح، بأن كان ذا ارتفاع وانخفاض لم يتيسر جرى الفلك عليه، وكذا لو جعله بحيث لا تطفو عليه الأخشاب ونحوها، بل تسفلت وغرقت فيه، لم يتيسر ذلك أيضًا، ولو
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.