جعله صلبًا مصمتًا، يمنع الغوص فيه، لم يمكن تحصيل المنافع المترتبة على الغصرص ﴿لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ﴾؛ أي: بإذنه وتيسيره وأنتم راكبوها ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ بالتجارة والغوص على اللؤلؤ والمرجان، ونحوها من منافع البحر ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾؛ أي: ولكي تشكروا النعم المترتبة على ذلك بالإقرار بوحدانية المنعم بها، والحكمة (١) في هذا التسخير مختصة بالإنسان لا بالفلك، سخر البحر والفلك له، وسخره لنفسه ليكون خليفته، ومظهرًا لذاته وصفاته نعمةً منه، وفضلًا لإظهار الكتز المخفي، فبحسب كل مسخر من الجزئيات والكليات، يجب على العبد شكره، وشكره أن يستعمله في طلب الله بأمره، ولا يستعمله في هوى نفسه، وله أن يعتبر من البحر الصوري، والذين يركبون البحر فربما تسلم سفينتهم، وربما تغرق كذلك العبد في فلك الاعتصام، في بحار التقدير، يمشي به في رياح المشيئة، مرفوع له شراع التوكل، مرسى في بحر اليقين، فإن هبت رياح العناية، نجت السفينة إلى ساحل السعادة، وإن هبت نكباء الفتنة، لم يبق بيد الملاح شيء؛ وغرقت في لجة الشقاوة، فعلى العبد أن يبتغي فضل الله، ويسعى في الطلب بأداء شكر النعم، كما في "التأويلات النجمية".
والمعنى (٢): أي إن ذلك الخالق الواحد، الذي أقمت لكم الأدلة على وجوده، هو الذي يسَّر لكم استخدام البحر، لتجري فيه السفن بإذنه وقدرته، حاملةً أقواتكم ومتاجركم، لتقوم بشؤونكم المعيشية، ولتطلبوا رزق ربكم منه يالغوص للدر تارةً، والصيد تارةً أخرى، ولتشكروه على ما أفاض عليكم من هذه النعم، التي تحصلِ لكم بسبب هذا التسخير للبحر، فتعبدوه وتطيعوه فيما يأمركم وينهاكم عنه
١٣ - ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ من الموجودات، بأن جعلها مدارًا لمنافعكم؛ أي: سخر لكم أيها العباد جميع ما خلقه في سمواته وأرضه؛ مما تتعلق به مصالحكم، وتقوم به معايشكم، ومما سخره لكم من مخلوقات السموات الشمس، والقمر والنجوم النيرات والمطر والسحاب والرياح، ومن مخلوقات الأرض الدواب والأشجار والجبال مثلًا ﴿جَمِيعًا﴾ إما حال من {مَا فِي
(٢) المراغي.