السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}، أو تأكيد له ﴿مِنْهُ﴾ صفة لـ ﴿جَمِيعًا﴾؛ أي: كائنًا منه تعالى، أو حال من ﴿ما﴾؛ أي: سخر لكم هذه الأشياء كائنةً منه مخلوقة له، أو خبر لمحذوف؛ أي: هي جميعًا منه تعالى. وفي "فتح الرحمن": جميعًا منه؛ أي: كل إنعام فهو من فضله؛ لأنه لا يستحق عليه أحد شيئًا، بل هو ويوجب على نفسه تكرمًا ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المذكور من التسخير ﴿لَآيَاتٍ﴾ عظيمة الشأن، كبيرة القدر، دالةً على وجود الصانع وصفاته ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ في بدائع صنع الله تعالى، فإنهم يقفون بذلك على جلائل نعمه تعالى ودقائقها، ويوفقون لشكرها.
والمعنى: أي وسخر لكم جميع ما خلقه في سمواته وأرضه، مما تتعلق به مصالحكم، وتقوم به معايشكم، فمما سخر لكم من المخلوقات السماوية الشمس والقمر والنجوم والمطر والسحاب والرياح، ومن المخلوقات الأرضية الدواب والأشجار والجبال والسفن رحمةً منه وفضلًا، وكل هذه أدلة على أنه الله، الذي لا إله غيره، لمن تأمل فيها واعتبر بها، وتدبرها حق التدببر.
والخلاصة: أن العالم كله، كأنه جسم واحد، يحتاج كل جزء منه إلى الأجزاء الباقية، فلا يستقيم مطر بلا حرارة شمس، ولا تسير سفن، إلا بهواء أو فحم أو كهرباء وما شاكل ذلك، فالعالم كله كساعة منتظمة، لا يستقيم سيرها إلا إذا استكملت آلاتها وعددها، وخص المتفكرين لأنه لا يتفع بها إلا من تفكر فيها.
وعن طاووس قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، فسأله: مم خلق الخلق؟ فقال: من الماء والنور والظلمة والهواء والتراب، قال: فمم خلق هؤلاء؟ قال: لا أدري، ثم أتى الرجل عبد الله بن الزبير فسأله، فقال: مثل قول عبد الله بن عمرو، فأتى ابن عباس، فسأله: مم خلق الخلق؟ فقال: من الماء والنور والظلمة والريح والتراب، قال: مم خلق هؤلاء؟ فقرأ ابن عباس ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾، فقال الرجل: ما كان ليأتي بهذا إلا رجل من أهل بيت النبوة.