وفي الآية (١): إشارة إلى أن السموات والأرض وما فيهن خلقت للإنسان، فإن وجودها تبع لوجوده، وناهيك من هذا المعنى، أن الله تعالى أسجد ملائكته لآدم عليه السلام، وهذا غاية التسخير، وهم أكرم مما في السموات والأرض، ومثال هذا: أن الله تعالى لما أراد أن يخلق ثمرةً خلق شجرة، وسخرها للثمرة لتحملها، فالعالم بما فيه شجرة، وثمرتها الإنسان، ولعظم هذا المعنى قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾؛ أي: في هذا المعنى دلالات على شرف الإنسان، وكماليته لقوم لهم قلوب منورة بنور الإيمان والعرفان، إذ يتفكرون بفكر سليم، كما في "التأويلات النجمية".
وقرأ الجمهور (٢): ﴿مِنْهُ﴾، وقرأ ابن عباس ﴿منة﴾ بكسر الميم وشد النون، ونصب التاء على المصدر، قال أبو حاتم: نسبة هذه القراءة إلى ابن عباس ظلم، وحكاها أبو الفتح عن ابن عباس وعبد الله بن عمر والجحدري وعبد الله بن عبيد بن عمير، وحكاها أيضًا عن هؤلاء الأربعة صاحب "اللوامح"، وحكاها ابن خالويه عن ابن عباس وعبيد بن عمير، وقرأ سلمة بن محارب كذلك؛ إلا أنه ضم التاء؛ أي: هو منة، وعنه أيضًا فتح الميم وشد النون، وهاء الكناية عائدة على الله، وهو فاعل ﴿سَخَّرَ﴾ على الإسناد المجازي، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: ذلك، أو هو منة.
١٤ - ولما علم سبحانه عباده دلائل التوحيد والقدرة والحكمة أردفه تعليمهم فضائل الأخلاق، فقال: ﴿قُلْ﴾ يا محمد ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله اغفروا واصفحوا وسامحوا عما يصدر من الكفار من الكلمات المؤذية، والأفعال الموحشة، ولا تقابلوهم بالمؤاخذة عليها إن أمرتهم بذلك ﴿يَغْفِرُوا﴾؛ أي: يغفر الذين آمنوا، ويعفوا، ويصفحوا ﴿لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ﴾ ولا يخافون ﴿أَيَّامَ اللَّهِ﴾ وعذابه، وانتقامه من أعدائه، ولا يرجون ثوابه، ولا يخشون مثل عقاب الأمم الخالية، ومعنى الرجاء هنا: الخوف، وأيام الله: وقائعه تعالى لأعدائه في الأمم

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon