والخلاصة (١): أي إن ما في السموات والأرض تحت قبضته، وفي ملكه، وله التصرف فيه إيجادًا وإعدامًا، وهو المتعالي فوقه، العظيم عن مماثلته ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾.
٥ - ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ﴾؛ أي: تقرب السموات يتشققن من عظمة وخشية وهيبة الإله الذي ﴿مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾؛ أي: فوق السموات بالألوهية والقهر والعظمة والقدرة، والتفطر التشقق، قال (٢) الضحاك والسدي: يتشققن من عظمة الله وجلاله من فوقهن. وقيل: المعنى: تكاد كل واحدة تتفطر فوق التي تليها من قول المشركين: اتخذ الله ولدًا، وقيل: من فوقهن من فوق الأرضين، والأول أولى، ومن في قوله: من فوقهن لابتداء الغاية؛ أي: يبتدىء التفطر من جهتهن الفوقانية إلى جهتهن التحتانية.
ووجه تخصيص (٣) جهة الفوق، أنها أقرب إلى أعظم الآيات، وأدلها على القدرة الباهرة من العرش والكرسي وصفوف الملائكة المرتجة بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل حول العرش، وما لا يعلم كنهه إلا الله من آثار الملكوت العظمى، فكان المناسب أن يكون تفطر السموات مبتدأ من تلك الجهة، بأن يتفطر أولًا أعلى السموات ثم إلى أن ينتهي إلى أسفلها، بأن لا تبقى سماء إلا سقطت على الأخرى.
وقيل: تتشققن من ادعاء الولد له، كما قال تعالى في سورة مريم: ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا﴾، فتخصيصها حينئذٍ للدلالة على التفطر من تحتهن بالطريق الأولى؛ لأن تلك الكلمة الشنعاء الواقعة في الأرض، إذا أثرت في جهة الفوق فلأن تؤثر في جهة التحت أولى، وقيل: لنزول العذاب منهن.
وقرأ الجمهور: ﴿تَكَادُ﴾ بالفوقية، وكذلك ﴿تتفطرن﴾ قرؤوه بالفوقية مع
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.