قال: يا عمر ضع سيفك، قال: يا رسول الله صدقت، أشهد أنك أرسلت بالحق، ثم تلا رسول الله - ﷺ - الآية، فقال عمر: لا جرم والذي بعثك بالحق، لا ترى الغضب في وجهي.
ثم علل بالمغفرة، فقال: ﴿لِيَجْزِيَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿قَوْمًا﴾ كاملين كاظمين غيظهم على إذاية الكفار، جزاءًا كاملًا وافرًا ﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾؛ أي: على ما يكسبونه من الأعمال الصالحة، التي منها كظم الغيظ. والمراد (١) بالقوم: المؤمنون. والتنكير لمدحهم، والثناء عليهم؛ أي: أمروا بذلك ليجزي الله سبحانه يوم القيامة قومًا أي قوم، لا قومًا مخصوصين، بما كسبوا في الدنيا من الأعمال الحسنة، التي من جملتها الصبر على أذية الكفار والمنافقين، والإغضاء عنهم بكظم الغيظ، واحتمال المكروه ما يقصر عنه البيان من الثواب العظيم.
وقد جوز أن يراد بالقوم: الكفرة، و ﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾: سيئاتهم التي من جملتها ما حكي من الكلمة الخبيثة، والتنكير حينئذ للتحقير، فإن قلت: مطلق الجزاء لا يصلح تعليلًا للأمر بالمغفرة، لتحققه على تقديري المغفرة وعدمها، قلت: لعل المعنى: قل للمؤمنين: يتجاوزوا عن إساءة المشركين والمنافقين، ولا يباشروا بأنفسهم لمجازاتهم، ليجزيهم الله تعالى؛ أي: ليجزي أولئك الكفرة يوم القيامة جزاءً كاملًا، يكافىء سيئاتهم، كأنه قيل: لا تكافؤوهم أنتم حتى نكافئهم نحن، ويدل على هذا المعنى الآية الآتية، والأول أولى، وأيضًا إن الكسب في أكثر ما ورد في القرآن كسب الكفار، ويجوز (٢) أن يكون المعنى: ليجزيهم الله وقت الجزاء كيوم بدر، ونحوه. وفي الآية إشارة، إلى أن المؤمن إذا غفر لأهل الجرائم، وإن لم يكونوا أهل المغفرة لإصرارهم على الكفر، والأذى.. يصير متخلقًا بأخلاق الحق.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿لِيَجْزِيَ﴾ مبنيًا للفاعل؛ أي: ليجزي الله، وقرأ زيد بن
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.