علي، وأبو عبد الرحمن والأعمش وابن عامر وحمزة والكسائي: ﴿لِيَجْزِيَ﴾ بالنون مبنيًا للفاعل. وقرأ أبو جعفر وشيبة، وعاصم: ﴿ليجزى﴾ بالياء التحتية مبنيًا للمفعول مع نصب ﴿قَوْمًا﴾، وفيه حجة لمن أجاز بناء الفعل للمفعول، على أن يقام الجار والمجرور وهو ﴿بما﴾ مقام الفاعل، وينصب المفعول به الصريح وهو ﴿قَوْمًا﴾، ونظيره: ضرب بسوط زيدًا، ولا يجيز ذلك الجمهور، وخرجت هذه القراءة على أن يكون الفعل بني للمصدر؛ أي: ليجزى الجزاء قومًا، وهذا أيضًا لا يجوز عند الجمهور، لكن يتأول على أن ينصب بفعل محذوف، تقديره: يجزي قومًا، فيكون الكلام جملتين إحداهما: ليجزى الجزاء، والأخرى: يجزيه قومًا. وعبارة البيضاوي هنا: وقرىء ﴿ليجزى قوم﴾، ﴿وليجزى قوما﴾؛ أي: ليجزى الخير أو الشر، أو الجزاء بمعنى: ما يجزى به لا المصدر. فإن الإسناد إليه سيما مع المفعول به ضعيف.
والمعنى (١): أي ليجزي الله تعالى يوم القيامة قومًا بما كسبوا في الدنيا من أعمال طيبة، من جملتها الصبر على أذى الكفار، والإغضاء عنهم بكظم الغيظ، واحتمال المكروه، ما لا يحيط به الوصف من الثواب العظيم في جنات النعيم.
١٥ - ولما رغب سبحانه، ورهب، وقرر أنه لا بد من الجزاء.. أبان أن النفع والضر لا يعدو المحسن والمسيء فقال: ﴿مَنْ عَمِلَ﴾ عملا ﴿صَالِحًا﴾ وهو ما طلب به رضي الله تعالى ﴿فَلِنَفْسِهِ﴾؛ أي: فنفع ذلك العمل الصالح وثوابه لنفسه عائد إليها ﴿وَمَنْ أَسَاءَ﴾؛ أي: عمل عملًا سيئًا، وهو كل ما يوجب سخط الله تعالى ﴿فَعَلَيْهَا﴾؛ أي: فضرر إساءته وعقابها على نفسه لا يكاد يسرى عمل إلى غير عامله ﴿ثُمَّ﴾ بعد انقضاء آجالكم ﴿إِلَى رَبِّكُمْ﴾؛ أي: إلى مالك أموركم لا إلى غيره ﴿تُرْجَعُونَ﴾؛ أي: تردون بالموت، فيجازيكم على أعمالكم خيرًا كان أو شرًا، فاستعدوا للقائه، ففيه ترغيب على اكتساب العمل الصالح، وترهيب عن ارتكاب العمل السيء.

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon