فمن الأول العفو، والمغفرة للمجرم، وصاحبه متصف بصفات الله تعالى.
ومن الثاني المعصية، والظلم، وصاحبه متصف بصفات الشيطان، فمن كان من الأبرار فإن الأبرار لفي نعيم، ومن كان من الفجار فإن الفجار لفي جحيم.
والمعنى: أي من عمل من عباد الله بطاعته فانتهى إلى أمره وازدجر عن نهيه فلنفسه عمل، ولها طلب الخلاص من عذابه، والله غني عن كل عامل، ومن أساء عمله في الدنيا بمعصية ربه فعلى نفسه جنى، ولها اكتسب الضر.
ثم بين وقت الجزاء فقال: ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾؛ أي: ثم تصيرون إلى ربكم حين العرض للحساب، فيجازي المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته.
١٦ - ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد أعطينا بني إسرائيل ﴿الْكِتَابَ﴾؛ أي: التوراة. قال سعدي المفتي: ولعل الأولى (١) أن يحمل الكتاب على الجنس حتى يشمل الزبور، والإنجيل أيضًا انتهى. وذلك لأن موسى، وداود، وعيسى عليهم السلام. كانوا في بني إسرائيل ﴿وَالْحُكْمَ﴾؛ أي: الحكمة النظرية، والعملية، والفقه في الدين، أو فصل الخصومات بين الناس، إذ كان الملك فيهم ﴿وَالنُّبُوَّةَ﴾ حيث كثر فيهم الأنبياء ما لم تكثر في غيرهم ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾؛ أي: من اللذائذ، كالمن والسلوى ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ كلهم أولهم وآخرهم حيث آتيناهم ما لم نؤت أحدًا من العالمين، من كثرة الأنبياء فيهم، وفلق البحر، وإنجائهم، وغرق عدوهم، وإنزال المن والسلوى لهم، وانفجار اثنتي عشرة عينًا لهم من حجر صغير في مدة التيه، وتظليل الغمام عليهم، وليس المراد تفضيلهم على العالمين بحسب الدين والثواب، اهـ "زاده". وقيل: على عالمي زمانهم، فإنه لم يكن أحد من العالمين في زمانهم أكرم على الله، ولا أحب إليه منهم
١٧ - ﴿وَآتَيْنَاهُمْ﴾؛ أي: وأعطينا بني إسرائيل ﴿بَيِّنَاتٍ﴾؛ أي: دلائل ظاهرة، ومعجزات قاهرة ﴿مِنَ الْأَمْرِ﴾؛ أي: في أمر الدين، فـ ﴿من﴾ بمعنى: في، كما في قوله تعالى: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ﴾؛ أي: شرائع

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon