واضحات في الحلال والحرام، أو معجزات ظاهرات، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: هو العلم بمبعث النبي - ﷺ -، وما بين لهم من أمره، وأنه يهاجر من تهامة إلى يثرب، ويكون أنصاره أهل يثرب ﴿فَمَا اخْتَلَفُوا﴾؛ أي: فما وقع الاختلاف بينهم في ذلك الأمر الذي بين لهم ﴿إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ واليقين فيه؛ أي: إلا من بعد مجيء العلم بحقيقته، وحقيته إليهم ببيانه وإيضاحه، فجعلوا ما يوجب زوال الخلاف موجبًا لثبوته، ورسوخه، وقيل: المراد بالعلم: يوشع بن نون، فإنه آمن به بعضهم، وكفر به بعضهم، وقيل: نبوة محمد - ﷺ -، فاختلفوا فيها ﴿بَغْيًا﴾ واعتداء من بعضهم على بعض بطلب الرئاسة، وحسدا حدث ﴿بَيْنَهُمْ﴾ لا شكًا فيها، فقد كانوا قبل ذلك وهم تحت أيدي القبط في غاية الاتفاق، واجتماع الكلمة، فلما جاءهم العلم، والشرع في كتابهم كان مقتضاه أن يدوموا على الاتفاق، بل كان ينبغي أن يزدادوا اتفاقًا، لكنهم لم يكونوا كذلك، بل صار ما هو مقتضٍ للاتفاق مقتضيًا للاختلاف لسوء حالهم، اهـ من "الخطيب".
﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ يا محمد ﴿يَقْضِي﴾ ويحكم ﴿بَيْنَهُمْ﴾؛ أي: بين المختلفين من بني إسرائيل ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ من أمر الدين، فيجازي المحسن بحسانه، والمسيء بإساءته.
والمعنى (١): أي إن ربك سبحانه، يقضي يوم القيامة بين المختلفين من بني إسرائيل بغيًا وحسدًا، فيما كانوا فيه يختلفون في الدنيا، بعد العلم الذي أتاهم، والبيان الذي جاءهم منه، ويجعل الفلج للمحق على المبطل، والمقصد من هذا: أنه لا ينبغي أن يغتر المبطل بنعم الدنيا، فإنها وإن ساوت نعم المحق أو زادت عليها، فهو سيرى في الآخرة ما يسوءه.
وفي هذا: تحذير لهذه الأمة المحمدية أن تسلك مسلكهم، وأن تسير على نهجهم.