١٨ - ولما ذكر سبحانه وتعالى إنعامه علي بني إسرائيل، واختلافهم بعد ذلك، وإعراضهم عن الحق بغيًا وحسدًا، ذكر حال نبيه - ﷺ -، وما منّ به عليه من اصطفائه، وأمره أن يعدل عن هذه الطريقة، وأن يستمسك بالحق، فقال: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ﴾ ﴿ثُمَّ﴾ هنا (١) للاستئناف، والكاف مفعول أول لـ ﴿جعل﴾، و ﴿عَلَى شَرِيعَةٍ﴾ هو المفعول الثاني؛ أي: و (٢) جعلناك يا محمد على شريعة؛ أي: طريقة عظيمة الشأن، وسنة رفيعة القدر ﴿مِنَ الْأَمْرِ﴾؛ أي: من أمر الدين ﴿فَاتَّبِعْهَا﴾؛ أي: فاتبع يا محمد تلك الشريعة أنت وقومك وسائر أهل الأرض، بإجراء أحكامها في نفسك، وفي غيرك من غير إخلال بشيء منها.
وفي "التأويلات النجمية": إنا أفردناك من جملة الأنبياء بلطائف فاعرفها، وخصصناك بحقائق فأدركها، وسننّا لك طرائق فاسلكها، وأثبتنا لك الشرائع فاتبعها، ولا تجاوز عنها، ولا تحتج إلى متابعة غيرك، ولو كان موسى وعيسى حيين، لما وسعهما إلا اتباعك، قال جعفر الصادق رحمه الله تعالى: الشريعة في الأمور محافظة الحدود فيها، ومن الله الإعانة، والمراد بالشريعة هنا: ما شرعه الله سبحانه لعباده من الدين، والجمع شرائع؛ أي: جعلناك يا محمد على منهاج واضح من أمر الدين، يوصلك إلى فاتبعها، واعمل بأحكامها في أمتك ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ توحيد الله، وشرانعه لعباده؛ أي (٣): لا تتبع آراء الجهلة، واعتقاداتهم الزائفة التابعة للشهوات، وهم رؤساء قريش، ومن وافقهم كانوا يقولون له - ﷺ -: ارجع إلى دين آبائك، فإنهم كانوا أفضل منك وأسن،
١٩ - ﴿إِنَّهُمْ﴾؛ أي: إن الجهلة المذكورين ﴿لَنْ يُغْنُوا﴾؛ أي: لن يدفعوا ﴿عَنْكَ مِنَ اللَّهِ﴾؛ أي: مما أراد الله بك من العذاب ﴿شَيْئًا﴾ إن اتبعتهم. قال بعضهم: يعني إن أراد بك نعمة فلا يقدر أحد على منعها، وإن أراد بك فتنة فلا يقدر أحد يصرفها عنك، فلا تعلق بمخلوق فكرك، ولا تتوجه بضميرك إلى غيرنا، وثق بنا، وتوكل علينا ﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾؛ أي: أنصار

(١) الفتوحات.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon