بعض؛ أي: بعضم ينصر بعضًا، فلا يواليهم، ولا يتبع أهواءهم إلا من كان ظالمًا مثلهم؛ لأن الجنسية علة الانضمام والانتصار ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾؛ أي: ناصر المتقين الذين أنت قدوتهم، فدم على ما أنت عليه من تولية خاصة بالتقوى، والشريعة، والإعراض عما سواه بالكلية، وفي "التأويلات النجمية": سماهم الظالمين؛ لأنهم وضعوا الشيء في غير موضعه، وسمّى المؤمنين المتقين لأنهم اتقوا عن هذا المعنى، واتخذوا الله الولي في الأمور كلها.
ومعنى الآيتين (١): أي ثم جعلناك بعد بني إسرائيل، الذين وصفت لك صفتهم على نهج خاص من أمر الدين، فاتبع ما أوحى إليك، ولا تتبع ما دعاك إليه الجاهلون الذين لا يعلمون توحيد الله، ولا شرائعه لعباده، وهم كفار قريش، ومن وافقهم فتهلك، ثم علل النهي عن اتباع أهوائهم فقال: ﴿إِنَّهُمْ﴾؛ أي: إن هؤلاء الجاهلين بربهم لا يدفعون عنك شيئًا مما أراد بك، إن اتبعت أهواءهم وخالفت شريعته، ثم بين أولياء الكافرين وأولياء المؤمنين، فقال: وإن الكافرين ليتولى بعضهم شؤون بعض في الدنيا، أما في الآخرة فلا ولي ولا شفيع، ولا نصير يجلب لهم ثوابًا، ولا يدفع عنهم عقابًا، والله ولي المتقين؛ أي: والمتقون المهتدون وليهم الله، وهو ناصرهم ومخرجهم من الظلمات إلى النور، والكافرون أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات، فما أبعد الفرق بين الولايتين.
وقصارى ما سلف: دم على ما أنت عليه من اعتمادك على ولاية ربك ونصرته، وأعرض عما سواه.
٢٠ - ثم بين فضل القرآن، وذكر ما يجلبه التمسك بحبله المتين، فقال: ﴿هَذَا﴾ القرآن، وهو مبتدأ، خبره ﴿بَصَائِرُ لِلنَّاسِ﴾؛ أي: براهين، ودلائل لهم فيما يحتاجهون إليه من أحكام الدين، أو إن اتباع الشريعة بصائر، وأنوار لقلوب من