والمعنى (١): أي أنزلنا عليك قرآنًا عربيًا، بلسان قومك، كما أرسلنا كل رسول بلسان قومه. ﴿لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى﴾؛ أي (٢): لتخوف أهل مكة بعذاب الله، على تقدير إصرارهم على الكفر، والعرب تسمي أصل كل شيء بالأم، سميت أم القرى تشريفًا لها، وإجلالًا لاشتمالها على البيت المعظم، ومقام إبراهيم عليه السلام، ولما رُوي من أن الأرض دحيت من تحتها، فمنزلة القرى منها. البنات من الأمهات ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾؛ أي: حول أم القرى من العرب، وتفسير من حولها بالعرب لا ينافي عموم رسالته - ﷺ -؛ لأن تخصيص الشيء بالذكر لا ينافي حكم ما عداه. وقيل: من أهل الأرض كلها شرقًا وغربًا، وبذلك فسره البغوي فقال: من قرى الأرض كلها، وكذا القشيري حيث قال: العلم محدق بالكعبة ومكة؛ لأنهما سرة الأرض.
والمعنى (٣): أي ومثل ذلك الإيحاء البديع البيّن، أوحينا إليك قرآنًا عربيًا بلسان قومك، لاخفاء فيه عليك، ولا عليهم، ليفهموا ما فيه من حجج الله وذكره، ولتنذر به أهل مكة، وما حولها من البلاد، إلى منقطع الأرض كما أرسلنا كل رسول بلسان قومه.
وقصارى ذلك: أنا كما أوحينا إليك أنك لست بالحفيظ عليهم، ولا بالوكيل، أوحينا إليك قرآنًا عربيًا، لتنذر أهل مكة وما حولها، وخص هؤلاء بالذكر؛ لأنهم أول من أنذروا، ولأنهم أقرب الناس إليه، فلا دليل فيها على أنه أرسل إليهم خاصة، كيف وقد جاء في آية أخرى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾.
وهذا الإنذار يعم شؤون الدنيا وشؤون الآخرة، ثم خصَّ من بينها أمور الآخرة، بيانًا لعظيم أهوالها، وشديد نكالها فقال: ﴿وَتُنْذِرَ﴾ أهل مكة ومن حولها ﴿يَوْمَ الْجَمْعِ﴾؛ أي (٤): بيوم القيامة وما فيه من العذاب، سمي يوم الجمع:
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.