لأنه يجمع فيه الخلائق من الأولين والآخرين، وأهل السموات وأهل الأرض، أو الأرواح والأشباح أو الأعمال والعمال، أو الظالم والمظلوم، فالباء محذوف من اليوم، كا قال: لتنذر بأسًا شديدًا؛ أي: ببأس شديد. كما قاله أبو الليث. فيكون مفعولًا به لا ظرفًا، كما في "كشف الأسرار". وقد سبق نظير ذلك في سورة المؤمن: عند قوله: ﴿لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ﴾.
وجملة قوله: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾؛ أي: لا شك في يوم الجمع، جملة معترضة، مقررة لما قبلها، لا محل لها من الإعراب، أو صفة ليوم الجمع، أو حال منه، أي: لا بدّ من مجيء ذلك اليوم، وليس بمرتاب فيه في نفسه وذاته، لأنه لا بدّ من جزاء العاملين من المنذرين وأهل الجنة والنار، وارتياب الكفار فيه لا يعتد به. أو لا شك في الجمع أنه كائن، ولا بد من تحققه.
والمعنى (١): أي ولتنذر الخلائق كافة، عقاب الله، يوم جمعهم للعرض والحساب، وهو يوم لا شك فيه، لتظاهر الأدلة على تحققه، عقلًا ونقلًا، فالحكمة قاضية بجزاء المحسن على إحسانه، ومعاقبة المسيء على إساءته، ولما فيه من نصوص قاطعة، على وجوده، لا تحتمل تأويلًا، ولا تفسيرًا.
ثم ذكر عاقبة العرض والحساب، فقال: ﴿فَرِيقٌ﴾ منهم، وهم المؤمنون ﴿فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ﴾ منهم وهم الكافرون ﴿فِي السَّعِيرِ﴾؛ أي: في النار سميت بها لالتهابها، وذلك بعد جمعهم في الموقف؛ لأنهم يجمعون فيه أولًا، ثم يفرّقون بعد الحساب، وقرأ الجمهور (٢): برفع ﴿فَرِيقٌ﴾: في الموضعين، إما على أنه مبتدأ، وخبره الجار والمجرور، وسوّغ الابتداء بالنكرة، كونه في معرض تفصيل، أو كونه موصوفًا بصفة محذوفة؛ أي: فريق منهم، كما قدّرناه أولًا في حلنا، أو على أن الخبر مقدّر قبله، أي: منهم فريق في الجنة ومنهم فريق في السعير. وجاز حينئذٍ الابتداء بالنكرة لأمرين تقديم خبرها، وهو الجار والمجرور المحذوف، ووصفها بقوله في الجنة، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف، وهو ضمير

(١) المراغي.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon