من الله تعالى، أخرجه الإمام أحمد في "مسنده".
٨ - ثم سلى رسوله على ما كان يناله من الغم والهم، بتولي قومه عنه وعدم استجابة دعوته، وأعلمه أن أمور عباده بيده، وأنه الهادي إلى الحق من يشاء، والمضل من أراد، فقال: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى، جمع الناس على الهداية، أو على الضلالة ﴿لَجَعَلَهُمْ﴾ في الدنيا، والضمير لجميع الناس المشار إليهم بالفريقين ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ مهتدين أو ضالين، وهو تفصيل لما أجمله ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: على دين واحد. قال الضحاك: أهل دين واحد، إما على هدى وإما على ضلالة، ولكنهم افترقوا على أديان مختلفة بالمشيئة الأزلية، وهو معنى قوله: ﴿وَلَكِنْ يُدْخِلُ﴾ في الدين الحق ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ أن يدخله ﴿فِي رَحْمَتِهِ﴾ وجنته ويدخل في الضلال من يشاء أن يدخله في عذابه ونقمته، ولا ريب في أن مشيئة الله تعالى، لكل من الإدخالين، تابعة لاستحقاق كل من الفريقين لدخول مدخله، ومن ضرورة اختلاف الرحمة اختلاف حال الداخلين فيهما قطعًا، فلم يشأ جعل الكل أمةً واحدة، بل جعلهم فريقين ﴿وَالظَّالِمُونَ﴾؛ أي: المشركون ﴿مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ﴾ ما يلي أمرهم ويغنيهم وينفعهم، فـ ﴿مِنْ﴾: مزيدة لاستغراق النفي ﴿وَلَا﴾ من ﴿نَصِيرٍ﴾ ما يدفع العذاب الواقع عنهم ويخلصهم منه، وفيه إيذان، بأن الإدخال في العذاب من جهة الداخلين بموجب سوء اختيارهم، لا من جهته تعالى، كما في الإدخال في الرحمة.
قال سعدي المفتي في "حواشيه" (١): لعل تغيير المقابل حيث لم يأت المقابل، ويدخل من يشاء في نقمته، بل عدل إلى ما في النظم، للمبالغة في الوعيد، فإن في نفي من يتولاهم وينصرهم في دفع العذاب عنهم، دلالة على أن كونهم في العذاب أمر معلوم مفروغ عنه، وأيضًا فيه سلوك طريق ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠)﴾ وأيضًا ذكر السبب الأصلي في جانب الرحمة ليجتهدوا في الشكر، والسبب الظاهري في جانب النقمة ليرتدعوا عن الكفر.