وفي "التأويلات النجمية": ولو شاء الله لجعلهم أمةً واحدة، كالملائكة المقربين ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ﴾، الآية، أو جعلهم كالشياطين، المبعدين، المطرودين، المتمردين، ولكن الحكمة الإلهية اقتضت، أن يجعلهم مركبين من الجوهر الملكي، والشيطاني، ليكونوا مختلفين، بعضهم الغالب عليه الوصف الملكي، مطيعًا لله تعالى، وبعضهم الغالب عليه الوصف الشيطاني، متمردًا على الله تعالى، ليكونوا مظاهر صفات لطفه وقهره، ويدل على هذا التأويل، قوله: ﴿وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ﴾؛ أي: ليكونوا مظاهر صفات لطفه، ﴿وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾؛ أي: ليكونوا مظاهر صفات قهره، انتهى.
وحاصل المعنى (١): أي ولو شاء الله لجعل الجميع مؤمنين، كما تريد وتحرص عليه، ولكن حكمته اقتضت أن يكون بعضهم مؤمنين وبعضهم كفارًا، وهم الذين اتخذوا من دون الله أولياء؛ لأنه سبحانه شاء أن يكون الإيمان مبنيًا على التكليف والاختيار، يدخل المرء فيه بمحض الرضا. والتأمل في الأدلة الموصلة إلى الهدى، وبذلك يتم الفوز والسعادة في الدارين، وينفر منه من دنس نفسه بأدران الشرك، وركب رأسه وأطاع هواه، فكان من الخاسرين، ولو شاء لجعل الإيمان بالقسر والإلجاء، فكان الناس جميعًا أمة واحدة، ولكن له الحجة البالغة والمثل الأعلى، ولم يشأ ذلك، فلا تأس على عدم إيمان قومك، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات، كما قال: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (٦)﴾، وقد جاء هذا المعنى في غير آية سلف كثير منها، كقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾، وقوله: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾.
٩ - وجملة قوله: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾ مستأنفة مقررة لما قبلها من انتفاء كون الولي والنصير للظالمين. و ﴿أَمِ﴾ (٢) هذه هي المنقطعة المقدرة ببل المفيدة للانتقال من بيان ما قبلها إلى بيان ما بعدها، وبالهمزة المفيدة لإنكار الوقوع
(٢) روح البيان.