ونفيه على أبلغ وجه وآكده، لا لإنكار الواقع واستقباحه كما قيل، إذ المراد بيان أن ما فعلوا من اتخاذ الأولياء، ليس في شيء لأن ذلك فرع كون الأصنام أولياء، وهو أظهر الممتنعات؛ أي: بل اتخذ الكافرون من دون الله أولياء من الأصنام، التي يعبدونها ليس ذلك في شيء. والفاء (١) في قوله ﴿فَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى - ﴿هُوَ الْوَلِيُّ﴾؛ أي: هو الحقيق بأن يتخذوه وليًا، فإنه هو الخالق الرازق، الضار النافع - فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إن أرادوا أن يتخذوا وليًا في الحقيقة، فأقول لهم: الله سبحانه هو الولي، الذي يجب أن يتولى ويعتقد أنه المولى، لا ولي سواه، وهو متولي الأمور من الخير والشر، والنفع والضر.
قلت: ويحتمل أن تكون الفاء تعليلية، لكون ما بعدها علة لإنكار اتخاذ الأولياء من دون الله، كقولك: أتضرب زيدًا فهو أخوك، على معنى: لا ينبغي أن تضربه، لكونه أخاك، والمعنى هنا: لا ينبغي لهم أن يتخذوا أولياء من دون الله، لأنّ الله هو الولي الحقيقي.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه؛ أي: ومن شأنه أنه ﴿يُحْيِ الْمَوْتَى﴾ ليس في السماء والأرض معبود يحيي الموتى غيره ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه على كل شيء من الإحياء والإماتة ﴿قَدِيرٌ﴾ فهو الحقيق بأن يتخذ وليًا، فليَخصُّوه بالاتخاذ دون من لا يقدر على شيء.
ومعنى الآية (٢): أي إن هؤلاء المشركين من قومك، قد اتخذوا أولياء ينصرونهم من دون الله، وقد ضلوا ضلالًا بعيدًا، فهؤلاء لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا، فإن أرادوا وليًا بحق يدفع عنهم الملمات ويجلب لهم الخيرات، فالله هو القادر على ذلك وهو محيي الموتى، ويحشرهم يوم القيامة، فجدير بمثله أن يتخذ وليًا، لا من لا يستطيع دفع الشر عن نفسه، ولا جلب الخير لها، ونحو الآية قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ
(٢) المراغي.