الأصول، والخطاب فيه متوجه إلى أمته - ﷺ -، فهذه وصية لجميع العباد؛ أي (١): لا تختلفوا في التوحيد والإيمان بالله، وطاعة رسله وقبول شرائعه، فإن هذه الأمور قد تطابقت عليها الشرائع، وتوافقت فيها الأديان، فلا ينبغي الخلاف في مثلها، وليس من هذا فروع المسائل التي تختلف فيها الأدلة، وتتعارض فيها الأمارات، وتتباين فيها الأفهام، فإنها من مطارح الاجتهاد، ومواطن الخلاف.
واعلم (٢): أن الأنبياء عليهم السلام مشتركون، ومتفقون في أصل الدين، وجميعهم أقاموا الدين، وقاموا بخدمته، وداموا بالدعوة إليه، ولم يختلفوا في ذلك، وباعتبار هذا الاتفاق، والاتحاد في الأصول، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ من غير تفرقة بين نبي ونبي، ومختلفون في الفروع والأحكام، قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ وهذا الاختلاف الناشىء من اختلاف الأمم، وتفاوت طبائعهم لا يقدح في ذلك الاتفاق، ثم أمر عباده بإقامة الدين والاجتماع عليه، ونهاهم عن التفرق فيه، فإن يد الله ونصرته مع الجماعة، وإنما يأكل الذئب الشاة البعيدة، النافرة، والمنفردة عن الجماعة.
أوصى حكيم أولاده عند موته، وكانوا جماعة، فقال: ائتوني بعصي، فجمعها، فقال لهم: اكسروها وهي مجموعة، فلم يقدروا على ذلك، ثم فرقها فقال: خذوا واحدة واحدة فاكسروها فكسروها، فقال لهم: هكذا أنتم بعدي بن تغلبوا ما اجتمعتم، فإذا تفرقتم تمكن منكم عدوكم فأهلككم، وكذا القائمون بالدين، إذا اجتمعوا على إقامته، ولم يتفرقوا فيه لم يقهرهم عدوهم، وكذا الإنسان في نفسه، إذا اجتمع في نفسه على إقامة الدين، لم يغلبه شيطان من الإنس والجن بما يوسوس به إليه، مع مساعدة الإيمان، والملك بإقامته له. وقال علي رضي الله عنه: لا تتفرقوا فإن الجماعة رحمة، والفرقة عذاب، وكونوا عباد الله إخوانًا.

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon