مَوْعِدُهُمْ} والفصل: القضاء بين الحق والباطل، كما في "القاموس"، ويوم الفصل هو اليوم الذي فيه يبين الحق من الباطل، ويفصل بين الناس بالحكم، كما في "المفردات": ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ في الدنيا، فعوجلوا بالعقوبة. والضمير في ﴿بَيْنَهُمْ﴾ راجع إلى المؤمنين والمشركين، أو إلى المشركين وشركائهم.
والمعنى: أي ولولا القضاء السابق منه تعالى، بتأخير العذاب إلى يوم القيامة، لعوجلوا بالعذاب في الدنيا.
﴿وَإِنَّ الظَّالِمِينَ﴾ أنفسهم، وهم المشركون والمكذبون ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ في الدنيا والآخرة؛ أي: نوع من العذاب متفاقم ألمه، وأقام المظهر مقام المضمر، تسجيلًا عليهم بالظلم، ودلالة على أن العذاب الأليم، الذي لا يكتنه كنهه، إنما يلحقهم بسبب ظلمهم، وانهماكهم فيه.
والمعنى: أي وإن الظالمين أنفسهم، بشرع ما لم يأذن به الله، مما ابتدعوه من التحليل، والتحريم، لهم عذاب شديد الإيلام في جهنم، وبئس المصير، وقرأ الجمهور (١): وإن الظالمين بكسر الهمزة على الاستئناف، والإخبار بما ينالهم في الدنيا، من القتل والأسر والنهب، وفي الآخرة من النار، وقرأ الأعرج ومسلم بن جندب: ﴿وأنّ﴾ بفتح الهمزة، عطفًا على كلمة الفصل، فهو في موضع رفع؛ أي: ولولا كلمة الفصل وكون الظالمين لهم عذاب أليم في الآخرة، لقضي بينهم في الدنيا، وفصل بين المتعاطفين بجواب ﴿لولا﴾، كما فصل في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (١٢٩)﴾.
٢٢ - ثم ذكر أحوال أهل العقاب، وأهل الثواب يوم القيامة، مبتدئًا بالأولين، فقال: ﴿تَرَى﴾ وتبصر يا محمد، أو يا من يصلح للرؤية ﴿الظَّالِمِينَ﴾؛ أي: المشركين يوم القيامة ﴿مُشْفِقِينَ﴾؛ أي: خائفين ﴿مِمَّا كَسَبُوا﴾؛ أي: لأجل ما كسبوا واقترفوا في الدنيا من الشرك والمعاصي؛ أي (٢): مشفقين إشفاقًا ناشئًا من

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon