وقال بعضهم (١): أول هذه السورة متعلق بآخر السورة السابقة - سورة الأحقاف - كأن قائلًا قال: كيف يهلك الفاسقون ولهم أعمال صالحة، كإطعام الطعام ونحوه من الأعمال الصالحة، والله لا يضيع لعامل عمله، ولو كان مثقال ذرة من خير؟ فأخبر بأنّ الفاسقين هم الذين كفروا، وصدّوا عن سبيل الله، أضل أعمالهم؛ يعني: أبطلها؛ لأنها لم تكن لله ولا بأمره، إنما فعلوها من عند أنفسهم، ليقال عنهم ذلك، فلهذا السبب أبطلها الله تعالى.
والمعنى (٢): أي الذين جحدوا توحيد الله، وعبدوا غيره، وصدّوا من أراد عبادته والإقرار بوحدانيته، وتصديق نبيه عما أراد، جعل الله أعمالهم تسير على غير هدى؛ لأنها عملت في سبيل الشيطان، لا في سبيل الرحمن، وما عمل للشيطان.. فمآله الخسران، فما عملوه في الكفر مما كانوا يسمونه مكارم الأخلاق من صلة الأرحام، وإطعام الجائع، وعمارة المسجد الحرام، وإجارة المستجير، ونحو ذلك، حكم الله ببطلانه، فلا يرون له في الآخرة ثوابًا، ويجزون به في الدنيا من فضله تعالى بزيادة مال، أو حدوث ولد، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (٢٣)﴾.
قال ابن عباس في رواية عنه: نزلت الآية في المطعمين ببدر، وهم اثنا عشر رجلًا: أبو جهل والحارث ابنا هشام، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبيّ وأمية ابنا خلف، ومنبه ونُبيه ابنا الحجاج، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، وحكيم بن حزام، والحارث بن عامر بن نوفل.
٢ - ولما ذكر سبحانه جزاء أهل الكفر.. أتبعهم بثواب أهل الإيمان، فقال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ يعمّ كل من آمن وعمل صالحًا من المهاجرين والأنصار، وأهل الكتاب وغيرهم، وكذا يعمّ الإيمان بجميع الكتب الإلهية ﴿وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ﴾ - ﷺ -، وهو القرآن الذي أنزله الله على محمد.

(١) الخازن.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon