وقرأ الجمهور (١): ﴿نُزِّلَ﴾ مشددًا مبنيًا للمفدول، وقرأ زيد بن علي وابن مقسم: ﴿نُزِّلَ﴾ مبنيًا للفاعل، وقرأ الأعمش: ﴿أنُزِل﴾ معدى بالهمزة مبنيًا للمفعول، وقرىء: ﴿نزل﴾ ثلاثيًا مخففًا.
وخصّ سبحانه الإيمان بما أنزل على محمد - ﷺ - بالذكر، مع اندراجه تحت مطلق الإيمان المذكور قبله؛ تنبيهًا على شرفه، وعلوّ مكانه، كما في عطف جبرائيل على الملائكة، وعلى أنه الأصل في الكل، ولذلك أكّده بقوله: ﴿وَهُوَ﴾؛ أي: ما نزّل على محمد ﴿الْحَقُّ﴾؛ أي: العدل الصواب، وقيل: الناسخ لما قبله، ولا يرد عليه النسخ، حال كونه ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ بطريق حصر الحقّية فيه، والحق: مقابل الباطل، وهذه الجملة معترضة بين المبتدأ، وهو قوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وبين خبره، وهو قوله: ﴿كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾؛ أي: السيئات التي عملوها فيما مضى؛ أي: ستر الله أعمالهم السيئة بالإيمان والعمل الصالح ﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾، أي: حالهم وشأنهم في الدين والدنيا بالتأييد والتوفيق، وأرشدهم إلى أعمال الخير، وأصلح نيّاتهم بالإخلاص.
والمعنى (٢): أي والذين صدّقوا الله، وعملوا بطاعته، واتبعوا أمره ونهيه، وصدّقوا بالكتاب الذي نزل على محمد، وهو الحق من ربهم، محا الله بفعلهم سيء ما عملوا، فلم يؤاخذهم به، وأصلح شأنهم في الدنيا بتوفيقهم لسبل السعادة، وأصلح شأنهم في الآخرة بأن يورثهم نعيم الأبد، والخلود الدائم في جناته، قال ابن عباس: نزلت الآية في الأنصار. كما مرّ.
٣ - ثم بيَّن سبب الإضلال، وإصلاح البال، فقال: ﴿ذَلِكَ﴾ إشارة إلى ما مرّ من إضلال الأعمال، وتكفير السيئات، وإصلاح البال، وهو مبتدأ، خبره قوله: ﴿بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾، أي: ذلك كائن بسبب أنّ الكافرين ﴿اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ﴾؛ أي: الشيطان، ففعلوا ما فعلوا من الكفر والصدّ ﴿وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أي: وبسبب أنّ المؤمنين ﴿اتَّبَعُوا الْحَقَّ﴾ الذي لا محيد عنه، كائنًا ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ ففعلوا ما فعلوا من الإيمان

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon