وَلَا نَقْتُلُ الأَسْرَى وَلَكِنْ نَفُكُّهُمْ... إِذَا أَثْقَلَ الأَعْنَاقَ حِمْلُ الْمَغَارِمِ
قال الشيخ الرضيُّ: المطلوب (١) من شدّ الوثاق: إمّا قتلٌ، أو استرقاق، أو منّ، أو فداء. فالإمام يتخير في الأسارى البالغين من الكفار بين هذه الخصال الأربع، وهذا التخيير ثابت عند الشافعي، ومنسوخ عند الأحناف بقوله تعالى: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾، قالوا: نزل ذلك يوم بدر، ثم نسخ. والحكم إما القتل أو الاسترقاق. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لمَّا كثر المسلمون، واشتدّ سلطانهم... أنزل الله تعالى في الأسارى ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً﴾ وكان عليه عمل رسول الله - ﷺ -، والخلفاء من بعده.
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث النبي - ﷺ - خيلًا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة، يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه في سارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله - ﷺ -، فقال: "ما عندك يا ثمامة؟ " فقال: عندي خيرٌ، إن تقتلني.. تقتل ذا دم، وإن تُنْعِم.. تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال.. فسل ما شئت، حتى كان الغد، فقال له رسول الله - ﷺ -: "ما عندك يا ثمامة؟ " قال: عندي ما قلت لك، قال: "أطلقوا ثمامة" فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه إليّ، والله ما كان من دين أبغض إليّ من دينك، فأصبح دينك أحبُّ الدين إليّ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك، فقد أصبح بلدك أحبَّ البلاد إليّ، وإن خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشَّره رسول الله - ﷺ -، وأمره أن يعتمر، فلمَّا قدم مكة قال له قائل: صبوت، قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد - ﷺ -.
وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: أسر أصحاب رسول الله - ﷺ - رجلًا من عقيل فأوثقوه، وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي - ﷺ -،

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon