ففداه رسول الله - ﷺ - بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف، وأما الفداء بالمال.. فقد وقع يوم بدر، كما هو مشهور في الأحاديث الصحيحة.
والظاهر (١): أنّ قوله: ﴿حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا﴾ غاية لقوله: ﴿فَشُدُّوا الْوَثَاقَ﴾؛ لأنه قد غيَّا، فضرب الرقاب بشد الوثاق وقت الإثخان، فلا يمكن أن يُغيّا بغاية أخرى، لتدافع الغايتين، إلا أن تكون الثانية مبيّنة للأولى، ومؤكدة لها فيجوز.
والمعنى: فشدوا وثاق الأسير وربطه، حتى تضع أهل الحرب أوزارها وأحمالها وأسلحتها، ويتركوا حمل سلاحها؛ أي: حتى تنقرض الحرب وتنعدم بالكليَّة، بحيث لا يبقى في الدنيا حزب من أحزاب الكفار يحارب حزبًا من أحزاب الإِسلام.
والأوزار (٢): جمع وزر، والوزر بالكسر: الثقل، وما يحمله الإنسان، فسمى الأسلحة أوزارًا؛ لأنها تحمل، فيكون جعل مثل الكراع من الأوزار من التغليب، و ﴿حَتَّى﴾ غاية عند الشافعي لأحد الأمور الأربعة، أو للمجموع. والمعنى حينئذٍ: إنهم لا يتركون ذلك أبدًا، حتى لا يكون مع المشركين حرب، بأن لا يبقى لهم شوكة، وأما عند أبي حنيفة فإنه حمل الحرب على حرب بدر، فهي غاية للمنّ والفداء، والمعنى: يمن عليهم ويفادون حتى تضع حرب بدر أوزارها وتنقضي، وإن حملت الحرب على الجنس.. فهي غاية للضرب والشد، والمعنى: أنهم يقتلون ويؤسرون حتى تضع جنس الحرب أوزارها، بأن لا يبقى للمشركين شوكة.
ومعنى الآية: أي فإذا واجهتم المشركين في القتال.. فاحصدوهم حصدًا بالسيوف، حتى إذا غلبتموهم وقهرتم من لم تضربوا رقابهم، وصاروا في أيديكم أسرى.. فشدّوهم في الوثاق كي لا يقاتلوكم، أو يربوا منكم، ثم أنتم بعد انتهاء الحرب وانتهاء المعارك بالخيار في أمرهم، إن شئتم.. مننتم عليهم

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon