أجل أنهم كرهوا كتابنا الذي أنزلناه على نبينا محمد - ﷺ -، فكذَّبوا به، وقالوا: هو سحر مبين، فمن ثم أحبط الله أعمالهم التي عملوها في الدنيا، وأصلاهم سعيرًا.
وقصارى ذلك: أنَّ كل ما عملوه في الدنيا من صالح الأعمال فهو باطل؛ لعدم الإيمان الذي هو أساس قبول الأعمال.
١٠ - ثم خوف سبحانه الكفار، وأرشدهم إلى الاعتبار بحال من قبلهم، فقال: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ ﴿الهمزة﴾: فيه للاستفهام التوبيخي، داخلة على محذوف، و ﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أُقعدوا في أماكنهم فلم يسيروا؛ أي: كفار مكة في الأرض إلى جانب الشام واليمن والعراق ﴿فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ من الأمم المكذبة: كعاد، وثمود وأهل سبأ، فإن آثار ديارهم تنبىء عن أخبارهم؛ أي: كيف كان آخر أمرهم من الدمار بسبب تكذيبهم رسلهم.
والمعنى (١): أي أفلم يسر هؤلاء المكذبون بمحمد - ﷺ -، المنكرون ما أنزلناه عليه من الكتاب في نواحى الأرض، وأرجائها، فيروا نقمة الله التي أحلَّها بالأمم الغابرة، والقرون الخالية، حين كذبوا رسلهم، كعاد وثمود، ويتعظوا بذلك، ويحذروا أن نفعل بهم كما فعلنا بمن قبلهم.
ثم ذكر ما فعله بهم، فقال: ﴿دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ يقال: دمّره: أهلكه، ودمّر عليهم: أهلك ما يختص به، قال الطيبي: كأنَّ في ﴿دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ تضمين معنى أطبق، فعدَّى بعلى، فإذا أطبق عليهم دمارًا.. لم يخلص مما يختص بهم أحدٌ، وفي "حواشي سعدي المفتي": ﴿دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: أوقع التدمير عليهم.
وجملة ﴿دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾: مستأنفة (٢) استئنافًا بيانيًا، نشأ عن سؤال مقدر، كأنه قيل: كيف كان عاقبتهم؟ فقيل: استأصل الله عليهم ما اختص به من أنفسهم وأهليهم وأموالهم.

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon