والمعنى: أي أهلك ما يختص بهم من الأهل والأولاد والأموال، أفلا يعتبر هؤلاء بما حلّ بمن قبلهم، فيعلموا أنّ ما حاق بهم من سوء المنقلب لا بد أن يحلّ بهم مثله، بحسب ما وضعه سبحانه من السنن في الأمم المكذبة لرسلها، ولن تجد لسنة الله تبديلًا، وهذا ما عناه سبحانه بقوله: ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾؛ أي: ولهؤلاء الكافرين السائرين بسيرتهم؛ يعني: كفار مكة ﴿أَمْثَالُهَا﴾؛ أي: أمثال هذه العاقبة التي ترون آثارها إن لم يؤمنوا بمحمد - ﷺ -، وبما جاء به من عند الله تعالى، أو أمثال عقوبتهم، لكن لا على أنَّ لهؤلاء أمثال ما لأولئك وأضعافه، بل مثله، وإنما جمع باعتبار مماثلته لعواقب متعددة حسب تعدد الأمم المعذَّبة، قال الزجاج (١) وابن جرير: الضمير في ﴿أَمْثَالُهَا﴾ يرجع إلى عاقبة الذين من قبلهم، وإنما جمع لما مرّ آنفًا، وقيل: أمثال العقوبة، وقيل: أمثال الهلكة، وقيل: أمثال التدميرة، والأول أولى؛ لرجوع الضمير إلى ما هو مذكور قبله، وقيل: المعنى (٢): ولقوم محمد أمثال تلك العاقبة، فأهلكوا بأيدي أمثالهم، الذين كانوا لا يرضون بمجالستهم، وأسروا بأيدي من كانوا يستضعفونهم، وذلك الألم من الهلاك بسبب عام، فهو أخف من هذا.
١١ - ثم بين السبب في حلول أمثال هذه العاقبة بهم، فقال: ﴿ذَلِكَ﴾ إشارة إلى ثبوت أمثال عقوبة الأمم السابقة لهؤلاء، وقال بعضهم: ذلك المذكور من كون المؤمنين منصورين ظافرين، ومن كون الكافرين مقهورين مدمَّرين ﴿بِأَنَّ اللَّهَ﴾؛ أي: بسبب أنه تعالى ﴿مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أي: ناصرهم على أعدائهم في الظاهر والباطن بسبب إيمانهم.
وقرأ ابن مسعود (٣): ﴿ذلك بأنّ اللَّه وليُّ الذين آمنوا﴾. ﴿وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ أي: وبسبب أنّ الكافرين لا ناصر لهم، فيدفع عنهم العذاب الحال بهم بسبب كفرهم، فالمراد: (٤) ولاية النصرة لا ولاية العبودية، فإنَّ الخلق كلهم عباده
(٢) المراح.
(٣) الشوكاني.
(٤) روح البيان.