١٤ - ثم ذكر الفارق بين حالي المؤمنين والكافرين، والسبب في كون هؤلاء في أعلى علّيين، وأولئك في أسفل سافلين، فقال: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ و ﴿الهمزة﴾ فيه: للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف يقتضيه المقام، و ﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، و ﴿مِنْ﴾ (١): عبارةٌ عن المؤمنين المتمسكين بأدلّة الدين، والتقدير: أليس الأمر كما ذكر، فمن كان مستقرًا على حجة ظاهرة، وبرهان نيرٍ من مالك أمره ومربيه، وهو القرآن، وسائر المعجزات، والحجج العقلية ﴿كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ من الشر وسائر المعاصي مع كونه في نفسه أقبح القبائح، والمعنى: لا مساواة بين المهتدي والضالّ. ﴿وَاتَّبَعُوا﴾ بسبب ذلك التزيين ﴿أَهْوَاءَهُمْ﴾ الزائغة، وانهمكوا في فنون الضلالات من غير أن يكون لهم شبهة توهم صحة ما هم عليه، فضلًا عن حجة تدل عليها، وجمع الضمير باعتبار معنى ﴿مِنْ﴾، كما أنّ إفراد الأولين باعتبار لفظها، وقرىء: (٢) ﴿أَمَنْ كَانَ﴾ بغير فاء.
ومعنى الآية (٣): أي أفمن كان على بصيرة ويقين في أمر الله ودينه بما أنزله في كتابه من الهدى، والعلم وبما فطره الله عليه من الفطرة السليمة، فهو على علم بأنَّ له ربًّا يجازيه على طاعته إيّاه بالجنة، وعلى إساءته ومعصيته إياه بالنار، كمن حسَّن له الشيطان قبيح عمله، وأراه إيَّاه جميلًا، فهو على العمل به مقيم، وعلى السير على نهجه دائب، واتبع هواه، وجمحت به شهواته، فطفق يعدو في المعاصي ويخبُّ فيها، ويضع غير ملتفت إلى واعظ أو زاجرٍ.
والخلاصة: أيستوي الفريقان: من كان ثابتًا على حجة بينة من عند ربّه، وهي كتابه الذي أنزله على رسوله، وسائر الحجج التي أقامها في الآفاق والأنفس، ومن زيَّن له الشيطان سيّء أعماله من الشرك وسائر المعاصي، كإخراجك من قريتك، واتباع هواه من غير أن يكون له شبهة يركن إليها تعاضد ما
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.