يدِّعيه، وتطمئن إليها نفسه في الدفاع عمّا يدين به، كلاهما لا يستويان، ونحو الآية قوله: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى﴾، وقوله: ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾.
١٥ - ثمّ لمّا بيّن سبحانه الفرق بين الفريقين في الاهتداء والضلال.. بيَّن الفرق في مرجعهما ومآلهما، فقال: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾؛ أي: صفة الجنة التي وعدها الله سبحانه من اتقى عقابه، فأدَّى فرائضه، واجتنب نواهيه ما ستسمعونه بعد، وعبَّر (١) عن المؤمنين بالمتقين؛ إيذانًا بأنَّ الإيمان والعمل الصالح من باب التقوى، الذي هو عبارة عن فعل الواجبات بأسرها، وترك السيئات عن آخرها، ومثلها وصفها العجيب الشأن، وهو مبتدأ محذوف الخبر؛ أي: مثل الجنة الموعودة للمؤمنين، وصفتها العجيبة الشأن ما تسمعون فيما يتلى عليكم، وقوله: ﴿فِيهَا﴾؛ أي: في الجنة الموعودة إلى اخره مفسر له ﴿أَنْهَارٌ﴾ جمع نهر، وهو: مجرى الماء الفائض كما سيأتي؛ أي: فيها أنهار جارية ﴿مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾؛ أي: غير متغير الطعم والرائحة واللون، وإن طالت إقامته، بخلاف ماء الدنيا؛ فإنه يتغير بطول المكث في مناقعه وفي أوانيه، مع أنه مختلف الطعوم مع اتحاد الأرض ببساطتها، وشدة اتصالها، وقد يكون متغيرًا بريح منتنة من أصل خلقته، أو عارضٍ عرض له من منبعه أو مجراه. كذا في "المناسبات".
يقول الفقير (٢): قد صحَّ أنّ المياه كلها تجري من تحت الصخرة التي في المسجد الأقصى، فهي ماء واحد في الأصل، عذب فرات سائغ للشاربين، وإنما يحصل التغير من المجاري، فإنّ طباعها ليست متساوية، دلّ عليه قوله تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ﴾ وتجاور أجزائها لا يستلزم اتحادها في نفس الأمر، بل هي متجاورة مختلفة، ومثلها العلوم، فإنها إذا مرت بطبع غير مستقيم تتغير عن أصلها، فتكون في حكم الجهل، ومن هذا القبيل علوم جميع أهل الهوى، والبدع والضلال والخرافات.
(٢) روح البيان.