وقرأ الجمهور (١): ﴿آسِنٍ﴾ بالمد على وزن فاعل كضارب، من أسن يأسن، كضرب يضرب، وقرأ حميد، وابن كثير وأهل مكة: ﴿أسِنٍ﴾ بالقصر على وزن فعل، من أسن ياسن كحذر يحذر، وهما سبعيتان، وقرىء: ﴿ياسِنٍ﴾ بالياء، قال أبو علي: وذلك على تخفيف الهمز.
﴿وَ﴾ فيها ﴿أَنْهَارٌ﴾ جارية ﴿مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾ كألبان الدنيا بأن كان قارصًا، وهو: الذي يقرص اللسان ويقبضه، أو حازرًا بتقديم الزاي وهو: الحامض، أو غير ذلك؛ لأنه لم يخرج من ضروع الإبل، والغنم والبقر.
والمعنى: لم يتغير طعمه بنفسه عن أصل خلقته، ولو أنهم أرادوا تغييره بشهوةٍ اشتهوها تغيَّر، وتغير الريح لا يفارق تغير الطعم، وذلك تركه ﴿و﴾ فيها ﴿أَنْهَار﴾ جارية ﴿مِنْ خَمْرٍ﴾ وهو: ما أسكر من عصير العنب، أو عام؛ أي: لكل مسكرِ، كما في "القاموس" ﴿لَذَّةٍ﴾؛ أي: لذيذة ﴿لِلشَّارِبِينَ﴾؛ أي: ليس فيها حموضة ولا غضاضة، ولا مرارة، ولم تدنسها الأرجل بالدوس ولا الأيدي بالعصر، وليس في شربها ذهاب عقل، ولا صداع، ولا آفة من آفات خمر الدنيا، وإنّما هي لتلذذ محض.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿لَذَّة﴾ بالجر، على أنه صفة لـ ﴿خَمْرٍ﴾ وقرىء بالرفع على أنه صفة لـ ﴿أَنْهَارٌ﴾ وبالنصب على أنه مصدر، أو مفعول لأجله؛ أي: لأجل لذّة له ﴿و﴾ فيها ﴿أَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى﴾ أي: من عسل قد صفي من القذى، وما يكون في عسل أهل الدنيا قبل التصفية من السمع وفضلات النحل وغيرها؛ أي: خلقه الله تعالى: مصفى، لا أنه كان مختلطًا فصفي.
قال بعضهم: (٣) الفرق بين الخالص والصافي: أن الخالص ما زال عنه شوبه بعد أن كان فيه، والصافي قد يقال لما لا شوب فيه، والعسل: لعاب النحل وقيئه، كما قال ظهير الفارابي، وقال الدميري في: "حياة الحيوان": وبالجملة
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.