﴿وَلَهُمْ﴾؛ أي: للمتقين ﴿فِيهَا﴾؛ أي: في الجنة الموعودة مع ما فيها من فنون الأنهار صنف ﴿مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ على وجه لا حاجة معه من قلة، ولا انقطاع. وقيل: لهم فيها زوجان من كل الثمرات أخذًا من قوله تعالى: ﴿فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ﴾. وفي ذكر (١) الثمرات بعد المشروب، إشارةٌ إلى أنَّ مأكول أهل الجنة للذة لا لحاجةٍ، فلهذا ذكر الثمار بعد المشروب؛ لأنها للتفكه واللذة.
﴿وَ﴾ لهم فيها ﴿مَغْفِرَةٌ﴾ عظيمة كائنة ﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾؛ أي: المحسن إليهم بمحو ذنوبهم السالفة أعيانها وآثارها، بحيث لا يخشون لها عاقبة بعقاب ولا عتاب، وإلا لتنغص العيش عليهم، قال في "فتح الرحمن": قوله: ﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ عطف على الصنف المحذوف؛ أي: ونعيم أعطته المغفرة وسببته، وإلا فالمغفرة قبل دخول الجنة.
وفي "الخازن": فإن قلت: المؤمن المتقي لا يدخل الجنة إلا بعد المغفرة، فكيف يكون فيها المغفرة؟.
قلت: ليس بلازم أن يكون المعنى: ولهم مغفرة فيها؛ لأنّ الواو لا تقتضي الترتيب، فيكون المعنى: ولهم فيها من كل الثمرات، ولهم مغفرة قبل دخولهم فيها، وقيل (٢): معنى ﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ أي: رفع تكليفٍ عنهم، فيأكلون ويشربون من غير حساب ولا عقاب، ورفع قبيح ومكروه، فلا يحتاجون إلى غائط، ولا يمرضون بسبب تناول المأكولات والمشروبات، بخلاف الدنيا، فإنّ للأكل توابع ولوازم لا بدّ منها.
وقوله: ﴿كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ﴾ (٣) لمبتدأ محذوف، تقديره أمن هو خالد في هذه الجنة حسبما جرى به الوعد الكريم، كمن هو خالد في النار التي لا يطفأ لهيبها، ولا يفك أسيرها، ولا يونس غريبها، كما نطق به قوله تعالى: ﴿وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾؛ أي: ليس هؤلاء كاولئك، فليس من هو في الدرجات العلى

(١) الخازن.
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon